الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه القصة لم نجد أحدا من أهل العلم قد حكم عليها بصحة أو ضعف، وقد أخرجها قوام السنة الأصبهاني في الترغيب والترهيب، وابن عساكر في تاريخ دمشق بسنديهما إلى مزيدة بن قعنب الرهاوي قال: كنا عند عمر بن الخطاب...
ولم نجد من ترجم لمزيدة الرهاوي، ولا ذُكِر في من سمع من عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فالإسناد على هذا ضعيف لجهالة مزيدة.
وأخرجها أبُو الفَرَجِ الثَّقَفِيُّ الأَصْبَهَانِيُّ في فوائده، ومحمد بن عمرو البختري في التاسع من فوائده (وكلاهما من المخطوطات المرفوعة على جوامع الكلم) - وقد عزاها إلى الثقفي ابنُ عبد الهادي المبرد في محض الصواب - والعلائي في الأربعين المغنية، من طريق: عُمَر بْن أَحْمَدَ أَبُي حَفْصٍ السِّمْسَار،ثنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: ذَكَرَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ خَوْلَةَ، ثنا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّيْمَرَتِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ، ثنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ بَطَّةَ بْنِ إِسْحَاقَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ مَاهَانَ التَّنُوخِيُّ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ ثَابِتٍ الْخَزَّازُ، ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ الْخَلِيلِ، ثنا الْخَضِرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْمُعَافَى بْنِ عِمْرَانَ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنِ الْحَسَنِ، عن عمر...
والحسين بن خليل، لم نجد من ترجم له، ولكن وقع عند العلائي: الحسين ابن الخليل - كذا في الأصل، وفي نسخة قديمة من غير الرواية: الحسن بن عليل. انتهى.
والحسن بن عليل، قال فيه الخطيب في تاريخ بغداد: وكان صاحب أدب وأخبار، وكان صدوقا، واسم أَبِيهِ عَلِيّ، ولقبه عليل، وقال فيه ياقوت في معجم الأدباء: وكان أحد الرواة الثقات الذين لا مطعن عليهم في الصدق. انتهى.
وأحمد بن ثابت الخزاز، لم نجد من ترجم له.
والقصة أوردها المتقي الهندي في كنز العمال، عن الحسن عن عمر،- دون ذكر باقي السند - وهذا الإسناد فيه انقطاع فالحسن لم يسمع من عمر؛ قال المزي في التهذيب: رأى على بن أبى طالب، وطلحة بن عبيد الله، وعائشة، و لم يصح له سماع من أحد منهم. انتهى.
وقال العلائي في جامع التحصيل: وهو مكثر من الإرسال أيضا ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر ـ رضي الله عنه ـ ونشأ بوادي القرى ورأى عثمان وعليا وطلحة والزبير رضي الله عنهم وحضر يوم الدار وهو ابن أربع عشرة سنة فروايته عن أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم مرسلة بلا شك وكذلك عن علي رضي الله عنه أيضا. انتهى.
وقد عزاها المتقي الهندي إلى الدلائل لابن السمعاني، ولم نقف على هذا الكتاب، ولا علق على الأثر محققا كنز العمال: صفوت السقا، وبكري الحياني، وأورد القصة الشاطبي في الاعتصام فقال: حكى أبو الحسن القرافي الصوفي عن الحسن، فذكره، ولم يعلق عليها محققه سليم الهلالي.
والخلاصة أن الإسنادين المذكورين لا يكفيان للحكم بصحتها، ولم نجد من نص على صحة القصة أو نكارتها كما قلنا، وظاهر استدلال الشاطبي بها - وسكوت الهلالي - أنه ليس فيها نكارة في المعنى، فيمكن الاستئناس بها.
تنبيه: في رواية المذكورين للقصة اختلاف يسير في الألفاظ لا يغير المعنى.
والله أعلم.