الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإذا كانت تعصي أوامر زوجها التي ليست معصية لله، فلا يحل لها ذلك باتفاق أهل العلم، بل يجب عليها أن تطيعه إذا أمر، وقد قال تعالى: فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ [النساء:34].
فالمرأة الصالحة هي التي تكون قانتة، أي: مداومة على طاعة زوجها، فمتى امتنعت عن طاعته، أو إجابته إلى الفراش إذا دعاها لذلك، كانت عاصية ناشزة، وكان ذلك يبيح له ضربها، إذا لم يفد فيها غيره مما هو مذكور في الآية: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا [النساء:34].
وليس على المرأة بعد حق الله ورسوله، أوجب من حق الزوج، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها؛ لما جعل الله لهم عليهن من الحق. رواه أبو داود، وغيره.
ولهذا إذا نشزت، فلا حق لها في النفقة، أو الكسوة.
وإذا أصرت على النشوز، فليس على زوجها أن يطلقها، ويعطيها الصداق؛ بل هي التي تفتدي نفسها، فتبذل صداقها ليفارقها، كما في البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر امرأة ثابت بن قيس بن شماس أن تعطيه صداقها ليفارقها، وله أن يعضلها وأن يتعنتها؛ لتفتدي منه، كما هو اختيار ابن جرير في تفسير قوله تعالى: ... وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ [النساء:19]، حيث ذهب -رحمه الله- إلى أن الفاحشة المبينة تعم النشوز، والزنا، وبذاء اللسان، ونقل ذلك العلامة ابن كثير -رحمه الله- ثم قال معقبًا: يعني أن ذلك كله يبيح مضايقتها؛ حتى تبرئه من حقها، أو بعضه ويفارقها، وهذا جيد. والله أعلم.
وإذا اختار الزوج أن يطلقها ليتخلص من سوء عشرتها، دون أن تبذل له شيئًا، وكان معسرًا، لم تجز مطالبته بالصداق؛ حتى يوسر، باتفاق أهل العلم، ونقل شيخ الإسلام ابن تيمية الإجماع على ذلك، وتتميمًا للفائدة، تراجع الفتوى: 1780.
والله أعلم.