الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالفتوى إعلام للمستفتي بحكم الشرع في النازلة المسؤول عنها ، وعليه فلا يمكن أن تكون هناك فتوى غير مستندة إلى دليل شرعي من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس، إلا أن الأئمة والعلماء قد يتفاوتون ويختلفون في إثبات الحكم من الأدلة نتيجة لاختلافهم في إثبات صحة الدليل أو في صحة الاستدلال به كما هو مبين في الفتوى رقم: 6787.
لكن لا يعلم إمام معتبر قصد بفتواه مخالفة الدليل وإن وجد له مثل ذلك فهو من غير قصد وله في ذلك عذره.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وليعلم أنه ليس أحد من الأئمة المقبولين عند الأمة قبولاً عاماً يتعمد مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من سنته دقيق ولا جليل، فإنهم متفقون اتفاقاً يقينياً على وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى أن كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن إذا وجد لواحد منهم قول قد جاء حديث صحيح بخلافه فلا بد له من عذر في تركه وجميع الأعذار ثلاثة أصناف:
أحدهما: عدم اعتقاده أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله.
والثاني: عدم اعتقاده إرادة تلك المسألة بذلك القول.
والثالث: اعتقاده أن ذلك الحكم منسوخ.
وهذا الأصناف الثلاثة تتفرع إلى أسباب متعددة. انتهى.
ثم ذكر أسباب ذلك في رسالته المشهورة رفع الملام عن الأئمة الأعلام.
فمتى ظهر الدليل وجب الأخذ به ولا يجوز العدول عنه، ولا عذر لأحد عند الله في اتباع قول يعلم أن الدليل ثابت بخلافه ومن فعل ذلك لحقه نصيب من الذم المذكور في قوله تعالى: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّه [التوبة:31]،وقد لا يكفر بذلك لوجود مانع أو فوات شرط، قال شيخ الإسلام ابن تيمية معلقاً على الآية: فمن أطاع أحداً في دين لم يأذن الله به من تحليل أو تحريم أو استحباب أو إيجاب فقد لحقه من هذا الذم نصيب كما يلحق الآمر الناهي، ثم قد يكون كل منهما معفواً عنه فيتخلف الذم لفوات شرطه أو وجود مانعه وإن كان المقتضي له قائماً، ويلحق الذم من تبين له الحق فتركه أو قصر في طلبه فلم يتبين له أو أعرض عن طلبه لهوى أو كسل ونحو ذلك. انتهى.
لكن لا يلزم المفتي أن يظهر الدليل للمستفتي، وإن فعل ذلك فهو الأولى إذا كان الدليل مما يدركه عقل المستفتي.
والله أعلم.