الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يوفقك، وأن يزيدك حرصًا على الخير وهداية الخلق، ولا ريب في أن إنكار السنة النبوية من أعظم الضلالات المردية، وقد سبق لنا في فتاوى عديدة بيان منزلة السنة وحجيتها، وحفظ الله لها، فانظر من ذلك الفتوى رقم: 199637، والفتاوى المرتبطة بها، وقد ذكرنا في خاتمتها جملة من الكتب يمكن الرجوع إليها، وعامتها متوفرة على شبكة الإنترنت.
ونرشدك إلى أمر في ذروة الأهمية، ويحتاجه كثير ممن يحملون هم الإسلام وهداية الناس -لا سيما مع شيوع الأفكار والآراء المضلة-، ألا وهو: توخي الحذر من مناقشة أصحاب الأفكار المنحرفة، والآراء الفاسدة، دون أن يكون المرء متسلحًا باليقين التام، والعلم الشرعي الكافي؛ لأن خوض لجج المناظرة دون يقين وعلم قد يعود على العبد بالضرر البالغ في دينه، فالمنحرف قد يلقي على الإنسان شبهة تشككه وتفسد عليه عقيدته، وقد كان أئمة السلف مع سعة علمهم ويقينهم يعرضون عن سماع الشبهات، فقد قال معمر في جامعه -المنشور ملحقًا بمصنف عبد الرزاق-، قال: كنت عند ابن طاووس وعنده ابن له إذ أتاه رجل يقال له "صالح" يتكلم في القدر، فتكلم بشيء، فتنبه، فأدخل ابن طاووس إصبعيه في أذنيه وقال لابنه: أدخل أصابعك في أذنيك واشدد، فلا تسمع من قوله شيئًا، فإن القلب ضعيف. اهـ. وقال الإمام الذهبي: أكثر أئمة السلف على هذا التحذير، يرون أن القلوب ضعيفة، والشبه خطافة. اهـ.
وقال ابن بطة في الإبانة الكبرى: باب ترك السؤال عما لا يغني، والبحث والتنقير عما لا يضر جهله، والتحذير من قوم يتعمقون في المسائل، ويتعمدون إدخال الشكوك على المسلمين: اعلموا إخواني أني فكرت في السبب الذي أخرج أقوامًا من السنة والجماعة، واضطرهم إلى البدعة والشناعة، وفتح باب البلية على أفئدتهم، وحجب نور الحق عن بصيرتهم، فوجدت ذلك من وجهين؛ أحدهما: البحث والتنقير، وكثرة السؤال عما لا يغني، ولا يضر العاقل جهله، ولا ينفع المؤمن فهمه. والآخر: مجالسة من لا تؤمن فتنته، وتفسد القلوب صحبته .اهـ. ثم أفاض في بيان ذلك، والاستدلال عليه بالقرآن والسنة وآثار اسلف.
فالمتعين البعد عن إصغاء السمع للمنحرفين، واتقاء مناقشتهم ومجادلتهم قدر المستطاع إلا لمن عنده علم، والاكتفاء بإحالتهم إلى الكتب والفتاوى والمقالات ونحوها، لا سيما والوصول إليها متيسر بحمد الله تعالى.
والله أعلم.