الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن الأصل في خطاب الشرع العموم؛ فهو موجه إلى الرجال والنساء، لا فرق فيه بينهما إلا فيما دل دليل على تخصيصه بأحدهما؛ فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنما النساء شقائق الرجال" رواه أحمد، وغيره، وصححه أحمد شاكر، والألباني.
قال ابن أمير حاج في التقرير والتحبير علي تحرير الكمال بن الهمام: ...(وَيَدُلُّ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى أَنَّ الصِّيغَةَ لِلْمُشْتَرَكِ الْمَعْنَوِيِّ: (شُمُولُ الْأَحْكَامِ الْمُعَلَّقَةِ بِالصِّيغَةِ) لَهُنَّ أَيْضًا كَوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ الثَّابِتِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 83]، وَقَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183].... انتهى.
وقد ناقش المسألة تفصيلًا، فراجعه -إن شئت-. وانظر الفتويين: 59098، 52756.
والخطاب في هذا الحديث وإن كان موجهًا للحاضرين، فهو موجه إلى عموم المسلمين، كما جاء في كثير من نصوص الوحي التي يكون الخطاب فيها موجهًا للحاضرين وهو عام للجميع، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم.. الحديث رواه البخاري. وفي قوله صلى الله عليه وسلم لعمّار: إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا.. الحديث متفق عليه؛ فهو كما قال العلماء: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
لذلك فإن الخطاب في الحديث المذكور يشمل الرجال والنساء الحاضرين والغائبين، وهو في حق النساء آكد؛ لأنهن مأمورات بالتستر، وعدم الخروج لغير حاجة.
ومما يدل على عمومه: أن الخصال المذكورة فيه -غضُّ البصر، كف الأذى، ردُ السلام، الأمر بالمعروف، النهي عن المنكر- كلها لعموم المسلمين، ويبدو ذلك واضحًا من قول ابن عثيمين -رحمه الله- تعقيبًا على ما ذكرت من الشرح حيث يقول: "ففي هذا الحديث يُحذر النبي -صلى الله عليه وسلم- المسلمين -عمومًا- من الجلوس على الطرقات، فإن كان لا بد من ذلك، فإنه يجب أن يعطَى الطريق حقَّه".
والله أعلم.