الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن سب الله عز وجل هو أغلظ أنواع الكفر، وهو من نواقض الإسلام الموجبة للمروق منه بالكلية، باتفاق العلماء.
جاء في الصارم المسلول لابن تيمية: قال الإمام إسحاق بن راهويه- أحد الأئمة الأعلام-: أجمع المسلمون على أن من سب الله، أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم، أو دفع شيئا مما أنزل الله عز وجل، أو قتل نبيا من أنبياء الله عز وجل، أنه كافر بذلك، وإن كان مقرا بكل ما أنزل الله. اهـ.
وفيه: فصل: فيمن سب الله تعالى. فإن كان مسلما وجب قتله بالإجماع؛ لأنه بذلك كافر، مرتد، وأسوأ من الكافر؛ فإن الكافر يعظم الرب، ويعتقد أن ما هو عليه من الدين الباطل ليس باستهزاء بالله، ولا مسبة له. اهـ.
فإذا سب أحد الزوجين الرب جل وعلا، فقد ارتد بذلك، وقد أجمع العلماء على أن المرتد يحال بينه وبين زوجته المسلمة، والعكس.
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: اتفق الفقهاء على أنه إذا ارتد أحد الزوجين حيل بينهما، فلا يقربها بخلوة، ولا جماع ولا نحوهما. اهـ.
ثم وقع الخلاف هل تقع الفرقة بينهما بمجرد الردة، أم تكون الفرقة موقوفة على انتهاء العدة؟
قال ابن قدامة: اختلفت الرواية عن أحمد، فيما إذا ارتد أحد الزوجين بعد الدخول، حسب اختلافها فيما إذا أسلم أحد الزوجين الكافرين.
ففي إحداهما تتعجل الفرقة. وهو قول أبي حنيفة، ومالك. وروي ذلك عن الحسن، وعمر بن عبد العزيز، والثوري، وزفر، وأبي ثور، وابن المنذر؛ لأن ما أوجب فسخ النكاح استوى فيه ما قبل الدخول وبعده، كالرضاع.
والثانية: يقف على انقضاء العدة، فإن أسلم المرتد قبل انقضائها، فهما على النكاح، وإن لم يسلم حتى انقضت، بانت منذ اختلف الدينان، وهذا مذهب الشافعي؛ لأنه لفظ تقع به الفرقة، فإذا وجد بعد الدخول، جاز أن يقف على انقضاء العدة، كالطلاق الرجعي، أو اختلاف دين بعد الإصابة، فلا يوجب فسخه في الحال، كإسلام الحربية تحت الحربي، وقياسه، على إسلام أحد الزوجين أقرب من قياسه على الرضاع. هـ.
وهذا إذا كانت الردة بعد الدخول، أما قبله: فإن الفرقة تقع بمجرد الردة قولا واحدا عند عامة العلماء.
قال ابن قدامة: إذا ارتد أحد الزوجين قبل الدخول، انفسخ النكاح، في قول عامة أهل العلم. اهـ.
وراجعي الفتوى رقم: 123551، والفتوى رقم: 133087.
والفرقة الحاصلة بالردة، فسخ عند جمهور العلماء، وعند المالكية هي طلقة بائنة، وتفصيل هذا في الفتوى رقم: 25611.
وإذا ارتدت الزوجة: فإذا كانت قبل الدخول، فلا مهر، وإذا كانت الردة بعد الدخول، فلها جميع المهر.
قال ابن قدامة: إن كانت المرأة هي المرتدة، فلا مهر لها؛ لأن الفسخ من قبلها، وإن كان الرجل هو المرتد، فعليه نصف المهر؛ لأن الفسخ من جهته، فأشبه ما لو طلق. اهـ.
وأما عن حقوق زوجة المرتد: فأما المهر: فلها نصفه إن كانت الردة قبل الدخول، وأما بعده فلها المهر كاملا، وأما النفقة في العدة ففيها احتمال بناء على الخلاف في تعجيل الفرقة، أو وقوفها على انقضاء العدة.
قال ابن قدامة: فأما النفقة، فإن قلنا بتعجيل الفرقة، فلا نفقة لها؛ لأنها بائن منه. وإن قلنا: يقف على انقضاء العدة، وكانت المرأة المرتدة، فلا نفقة لها؛ لأنه لا سبيل للزوج إلى رجعتها، وتلافي نكاحها، فلم يكن لها نفقة، كما بعد العدة. وإن كان هو المرتد، فعليه النفقة للعدة؛ لأنه بسبيل من الاستمتاع بها بأن يسلم، ويمكنه تلافي نكاحها، فكانت النفقة واجبة عليه، كزوج الرجعية. اهـ.
وكذلك يجب للزوجة إن ارتدت، أو ارتد زوجها مهر المثل إن وطئها في العدة في بعض الأحوال.
قال ابن قدامة: إذا ارتد أحد الزوجين، أو ارتدا معا، منع وطؤها، فإن وطئها في عدتها، وقلنا: إن الفرقة تعجلت. فلها عليه مهر مثلها لهذا الوطء، مع الذي يثبت عليه بالنكاح؛ لأنه وطئ أجنبية، فيكون عليه مهر مثلها. وإن قلنا: إن الفرقة موقوفة على انقضاء العدة. فأسلم المرتد منهما، أو أسلما جميعا في عدتها، وكانت الردة منهما، فلا مهر لها عليه بهذا الوطء؛ لأنا تبينا أن النكاح لم يزل، وأنه وطئها وهي زوجته. وإن ثبتا، أو ثبت المرتد منهما على الردة، حتى انقضت عدتها، فلها عليه مهر المثل لهذا الوطء؛ لأنه وطء في غير نكاح يشبه النكاح، لأننا تبينا أن الفرقة وقعت منذ اختلف الدينان. اهـ.
والله أعلم.