الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس قولهم: (الطاقة لا تفنى ولا تستحدث) قاعدة فيزيائية بديهية!! فهي غير مسلمة، ولها لوازم باطلة، وقد سبق لنا الإشارة إلى ذلك، والإحالة على كتاب (الفيزياء ووجود الخالق)، وتجد فيه بيان معنى الفناء والاستحداث، بما يزيل موضع الاشتباه من أصله، فراجع الفتوى رقم: 123869، ومما قال فيه في معرض بيان معنى هذه العبارة: إذا كانت المادة لا تستحدث، أي لا تخلق ـ كما هو مصرح به في الصياغة الإنجليزية ـ فمعنى ذلك أنه لم يحدثها ـ لم يخلقها ـ أحد، أي أن الله لم يخلقها، ولكن هذا يتناقض مع إيماننا بأن {الله خالق كل شيء}، وإذا كانت لا تفنى فمعنى ذلك أن أحداً لا يستطيع إفناءها، وهذا يعني أن الله تعالى لا يقدر على إفنائها، فكيف نوفق بين هذا وبين إيماننا بأن الله على كل شيء قدير، وأنه لا يعجزه شيء؟ المسألة إذن واضحة، فإما أن تكون هذه العبارة المشهورة صحيحة فيكون الدين باطلاً، وإما أن يكون الدين صحيحاً فتكون هي باطلة، ولا يمكن الجمع بين الإيمان بصوابها وبصواب القول بأن للكون خالقاً... ولكن الذي لا شك فيه أن القول بأن المادة لا تخلق ولا تفنى قول باطل، ولا دليل عليه، والعلم الطبيعي ليس بحاجة إليه، وهو ليس من نتائجه ولا من قواعده، وإنما هي عقيدة فلسفية يونانية تزيت بزي العلم وجازت على كثير من الناس... اهـ.
ثم قال في بيان المقصود المقبول لهذه العبارة: إذا أحرقت رطلاً من مادة معينة ثم وزنت رمادها فوجدته أوقيتين فقط، فأين تكون ذهبت العشر الأوقيات؟ إن الرجل الذي لا معرفة له بالكيمياء أو الفيزياء قد يظن أن كمية المادة الموجودة في العالم نقصت بمقدار عشر أوقيات، ولكن آلاف التجارب التي نجريها تثبت أن هذا الظن غير صحيح؛ لأننا إذا جمعنا كل المواد التي تحللت إليها المادة المحترقة، ووزناها في نفس المكان الذي وزناها فيه قبل احتراقها كان الوزن رطلاً كاملاً، وإذا حللنا تلك المواد إلى أخرى واستطعنا أن نجمعها ونزنها في نفس المكان كان وزنها أيضاً رطلاً كاملاً، وهذا هو الذي دعا العلماء إلى افتراض أن كمية المادة الموجودة في العالم ثابتة، وعبارة "المادة لا تستحدث ولا تفنى" المقصود منها أن تعبر عن هذا المبدأ، ولكنها كما ترى لا تقتصر على تقريره، وإنما تقول أكثر منه بكثير، وهذه الزيادة التي تقررها العبارة لا يحتاج إليها العلم، وهي التي تخالف الدين، فهي لا تقتصر على القول بأن كمية المادة ثابتة، ولكنها تقول: إن هذا الثابت هو مادة أزلية لم تخلق ولا تفنى، والفرق بين الاثنين كبير، كما أن من الواضح أن أولاهما لا تستلزم الثانية. اهـ.
والله أعلم.