الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فقد تكلمنا سابقا في الفتوى رقم: 62923، عن مدى صحة نسبة كتاب (الفقه الأكبر) لأبي حنيفة رحمه الله تعالى .
والمقصود بالفقه الأكبر عند أهل العلم علمُ العقيدةِ وأصول الدين لأنه الأساس الذي يقوم عليه الدين، ويقابله ما يسمى بالفقه الأصغر وهو فقه الفروع المتعلق بالأحكام العملية من الصلاة والصيام والزكاة، قال ابن أبي العز الحنفي في شرح العقيدة الطحاوية: لَمَّا كَانَ عِلْمُ أُصُولِ الدِّينِ أَشْرَفَ الْعُلُومِ، إِذْ شَرَفُ الْعِلْمِ بِشَرَفِ الْمَعْلُومِ، وَهُوَ الْفِقْهُ الْأَكْبَرُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى فِقْهِ الْفُرُوعِ، وَلِهَذَا سَمَّى الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ ـ رَحْمَةُ الله تعالى ـ مَا قَالَهُ وَجَمَعَهُ فِي أَوْرَاقٍ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ "الْفِقْهَ الْأَكْبَرَ" وَحَاجَةُ الْعِبَادِ إِلَيْهِ فَوْقَ كُلِّ حَاجَةٍ، وَضَرُورَتُهُمْ إِلَيْهِ فَوْقَ كُلِّ ضَرُورَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا حَيَاةَ لِلْقُلُوبِ، وَلَا نَعِيمَ وَلَا طُمَأْنِينَةَ، إِلَّا بِأَنْ تَعْرِفَ رَبَّهَا وَمَعْبُودَهَا وَفَاطِرَهَا، بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَيَكُون مَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ أَحَبَّ إِلَيْهَا مِمَّا سِوَاهُ، وَيَكُون سَعْيُهَا فِيمَا يُقَرِّبُهَا إِلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ سَائِرِ خَلْقِهِ. اهـــ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُسَمِّي الْعِلْمَ وَالِاعْتِقَادَ وَالْحُكْمَ وَالْقَوْلَ الْخَبَرِيَّ التَّابِعَ: عِلْمَ الْأُصُولِ وَأُصُولَ الدِّينِ أَوْ عِلْمَ الْكَلَامِ أَوْ الْفِقْهَ الْأَكْبَرَ ... اهــ
وقال الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ: المراد بالفقه في الدين معرفة دين الله الذي بعث الله به محمدا ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وأشرفه وأعظمه وأوكده، هو الفقه في توحيد الله ـ عز وجل ـ في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، ولهذا كان بعض أهل العلم يسمي علم التوحيد الفقه الأكبر، وهذا اسم ـ بلا شك ـ جدير أن يسمى به علم التوحيد. اهــ
وقال: التوحيد الفقه الأكبر كما قال أهل العلم، وهو أشرف من الفقه الثاني الأصغر، فعلم أحكام الجوارح من الفقه الأصغر. اهــ
وأما الفقه الأبسط المنسوب إلى أبي حنيفة ـ رحمه الله ـ فهو في أصول الدين أيضا.
والله تعالى أعلم.