الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلمي أن الله قد كتب مقادير الخلق قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وأن ما جرى به القلم واقع ولا بد، ومن ذلك ما قدره الله لك من الأطفال سواء من ذلك عددهم أو جنسهم أو غير ذلك من صفاتهم.
والقضاء والقدر ـ كما قال العلماء ـ نوعان: قضاء مبرم: وهو القدر الأزلي، وهو لا يتغير، كما قال تعالى: مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ {ق:29}، وقضاء معلق: وهو الذي في الصحف التي في أيدي الملائكة، فإنه يقال: اكتبوا عمر فلان إن لم يتصدق فهو كذا وإن تصدق فهو كذا، وفي علم الله وقدره الأزلي أنه سيتصدق أو لا يتصدق، فهذا النوع من القدر ينفع فيه الدعاء والصدقة، لأنه معلق عليهما، وهو المراد بقوله تعالى: لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ {الرعد: 38/39}، .
وعليه يمكن تغيير القدر المعلق بأمور وردت بها النصوص كصلة الرحم وبر الوالدين وأعمال البر والدعاء، والدعاء أقوى الأسباب في رد القدر، كما في الحديث الذي رواه أحمد والترمذي وابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يزيد في العمر إلا البر، ولا يرد القدر إلا الدعاء، وإن الرجل ليحرم الرزق بخطيئة يعملها. وكما في الحديث: لَا يَرُدُّ الْقَضَاءَ إِلَّا الدُّعَاءُ، وَلَا يَزِيدُ فِي الْعُمُرِ إِلَّا الْبِرُّ. رواه الترمذي والطبراني، وحسنه الألباني.
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في الجواب الكافي: المقدور قدر بأسباب، ومن أسبابه الدعاء، فلم يقدر مجرداً عن سببه، ولكن قدر بسببه فمتى أتى العبد بالسبب وقع المقدور، ومتى لم يأت بالسبب انتفى المقدور وهكذا، كما قدر الشبع والري بالأكل والشرب وقدر الولد بالوطء وقدر حصول الزرع بالبذر... وحينئذ فالدعاء من أقوى الأسباب، فإذا قدر وقوع المدعو به لم يصح أن يقال: لا فائدة في الدعاء، كما لا يقال: لا فائدة في الأكل والشرب. انتهى.
وقال السندي ـ رحمه الله ـ في شرحه على سنن ابن ماجه: قال الغزالي: فإن قيل: ما فائدة الدعاء مع أن القضاء لا مرد له؟ فاعلم أن من جملة القضاء رد البلاء بالدعاء، فإن الدعاء سبب رد البلاء، ووجود الرحمة، كما أن البذر سبب لخروج النبات من الأرض، وكما أن الترس يدفع السهم، كذلك الدعاء يرد البلاء. انتهى.
وانظري الفتاوى التالية أرقامها: 175281، 35295، 10657.
أما قولك: (هل لو قمت بالفحص من البداية لاستمر الحمل ...). فنقول: إن الحمل لو قدر له الاستمرار لكان ذلك، فلا تتحسري على ما فات، وتدبري قوله تعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ { الحديد 22ـ 23}. وتدبري كذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا. ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان. رواه مسلم. قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في كتابه شفاء العليل: فإن فاته ما لم يقدر له، فله حالتان: حالة عجز، وهي مفتاح عمل الشيطان، فيلقيه العجز إلى لو، ولا فائدة في لو ههنا، بل هي مفتاح اللوم، والجزع، والسخط والأسف، والحزن. وذلك كله من عمل الشيطان، فنهاه صلى الله عليه وسلم عن افتتاح عمله بهذا المفتاح، وأمره بالحالة الثانية وهي النظر إلى القدر وملاحظته، وأنه لو قدر له لم يفته ولم يغلبه عليه أحد، فلم يبق له ههنا أنفع من شهود القدر ومشيئة الرب النافذة التي توجب وجود المقدور، وإذا انتفت امتنع وجوده؛ فلهذا قال: فإن غلبك أمر فلا تقل: لو أني فعلت لكان كذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فأرشده إلى ما ينفعه في الحالتين: حالة حصول مطلوبه، وحالة فواته؛ فلهذا كان هذا الحديث مما لا يستغني عنه العبد أبدا، بل هو أشد شيء إليه ضرورة، وهو يتضمن إثبات القدر، والكسب، والاختيار، والقيام والعبودية ظاهرا وباطنا في حالتي حصول المطلوب وعدمه. انتهى.
ولا مانع من إتلاف البويضات الملقحة، فقد نص العلماء على جواز استخراج النطفة بعد استقرارها في الرحم وقبل التعلق بالرحم، قال القرطبي ـ رحمه الله ـ في تفسيره: النطفة ليست بشيء يقينا ولا يتعلق بها حكم إذا ألقتها المرأة إذا لم تجتمع في الرحم فهي كما لو كانت في صلب الرجل، فإذا كان هذا في النطفة بعد وصولها إلى الرحم فجوازها خارج الرحم أولى، وراجعي الفتوى رقم: 22784.
وللفائدة يرجى مراجعة هاتين الفتويين التالية أرقامهما: 5995، 7888.
والله أعلم.