الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن حلق اللحية، حرام؛ لما ورد في ذلك من الأحاديث الصحيحة الصريحة، والأخبار، ولعموم النصوص الناهية عن التشبه بالكفار، فمن ذلك: حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خالفوا المشركين، أحفوا الشوارب، وأعفوا اللحى. متفق عليه، وهناك أحاديث أخرى بهذا المعنى، وإعفاء اللحية؛ تركها على حالها، وتوفيرها: إبقاؤها وافرة، لا يقص منها شيء.
وحكى ابن حزم الإجماع على أن قص الشارب، وإعفاء اللحية، فرض، واستدل بجملة أحاديث: منها: حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- السابق، وحديث زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من لم يأخذ من شاربه، فليس منا. صححه الترمذي، قال في الفروع: وهذه الصيغة عند أصحابنا ـ يعني الحنابلة ـ تقتضي التحريم. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح العمدة: فأما حلقها، فمثل حلق المرأة، رأسها، وأشد؛ لأنه من المثلة المنهي عنها، وهي محرمة. وقال أيضًا في الفتاوى الكبرى: ويحرم حلق اللحية، ويجب الختان. انتهى. وقال الحطاب المالكي في شرح خليل: وحلق اللحية، لا يجوز، وكذلك الشارب، وهو مثلة، وبدعة، ويؤدب من حلق لحيته، أو شاربه، إلا أن يريد الإحرام بالحج، ويخشى طول شاربه. انتهى. وقال ابن عابدين الحنفي في رد المحتار: يحمل الإعفاء على إعفائها عن أن يأخذ غالبها، أو كلها، كما هو فعل مجوس الأعاجم من حلق لحاهم... ويؤيد إرادة هذا ما في مسلم عن أبي هريرة عنه صلى الله عليه وسلم: (جزوا الشوارب، واعفوا اللحى، خالفوا المجوس)، فهذه الجملة واقعة موقع التعليل، وأما الأخذ منها، وهي دون ذلك... فلم يبحه أحد. انتهى. وقال الإمام ابن عبد البر: يحرم حلق اللحية، ولا يفعله إلا المخنثون من الرجال. يعني بذلك المتشبهين بالنساء، وكان النبي صلى الله عليه وسلم كثيف شعر اللحية ـ رواه مسلم عن جابر، وفي رواية: كثيف اللحية، وفي أخرى: كث اللحية، والمعنى واحد.
وقد دل الكتاب، والسنة، والإجماع على الأمر بمخالفة الكفار، والنهي عن مشابهتهم في الجملة؛ لأن مشابهتهم في الظاهر، سبب لمشابهتهم في الأخلاق، والأفعال الممنوعة، بل وفي نفس الاعتقادات، فهي تورث محبة، وموالاة في الباطن، كما أن المحبة في الباطن، تورث المشابهة في الظاهر، وروى الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود، ولا بالنصارى.. الحديث. وفي لفظ: من تشبه بقوم، فهو منهم. رواه الإمام أحمد، ورد عمر بن الخطاب شهادة من ينتف لحيته.
وليس حلق اللحية من الكبائر، إلا أن يواظب عليه صاحبه؛ لقول ابن عباس -رصي الله عنهما-: لا صغيرة مع الإصرار. فالإصرار على الصغيرة، يلحقها بالكبائر.
والواجب: التوبة، والإقلاع عن الذنوب كلها -صغيرها، وكبيرها- ، وكما قيل: لا تنظر إلى صغر الذنب، وانظر إلى عظمة من عصيت.
والله أعلم.