الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن غض البصر أمره جليل، وفوائده عظيمة، وقد بيناها بالتفصيل في الفتوى رقم: 78760، فراجعها لعلها تكون محفزة ومعينة لك على ذلك. وراجع أيضا الفتوى رقم: 18768، لمعرفة بعض الوسائل المعينة على غض البصر.
ثم إن أهم ما يعين على غض البصر ـ بعد الدعاء والاستعانة بالله ـ مجاهدة النفس وحبسها على ذلك، فمع المجاهدة والتمرس يصبح هذا الأمر عاديا لدى الإنسان ويصير متعودا عليه، فلا يرفع بصره إلى ما حرم الله، ولا ينظر إلى ما لا يجوز له، مع العلم أن الإنسان غير مطالب بما يفوق طاقته، فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وقد قال تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ {التغابن:16}.
وعليه، فلا يؤاخذ المرء بنظرة الفجأة، وهي أن يقع نظره على امرأة دون قصد منه بشرط أن يصرف بصره، ولا ينظر إليها ثانية، وانظر الفتوى رقم: 26644. فإذا طبقت ما سبق، وحبست نظرك عن كل ما يعرض لك من مغريات ومتبرجات، سواء في الطائرة أو السوق أو غيرهما، وحملت نفسك على ذلك فقد أديت ما عليك من غض البصر.
أما بخصوص سؤالك عن العزم، وأن عودة الإنسان إلى الذنب تعني أنه غير عازم، فالجواب أنك لم تفهم ـ فيما يبدو ـ معنى العزم المقصود، فينبغي أن تعلم أن العزم لا يقصد به عدم العود إلى الذنب بالمطلق، وإنما المقصود به أن يكون لدى الإنسان حين توبته عزم أكيد على أن لا يعود لذلك الذنب الذي يتوب منه، ولو عاد إليه بعد لحظات فلا تنتقض توبته يقول الشيخ العثيمين رحمه الله: والشرط الرابع أن يعزم على أن لا يعود في المستقبل بحيث يكون في قلبه العزم الأكيد على أن لا يعود لهذا الذنب، لأنه إذا تاب ونيته أن يعود إذا سنحت له الفرصة فليس بتائب في الحقيقة، بل هذه توبة مؤقتة، والتوبة لابد أن تكون مطلقة غير مقيدة بشيء، وانتبه لهذا الشرط فإننا نقول العزم على ألا يعود ولسنا نقول ألا يعود، فليس من شرط التوبة أن لا يعود إلى الذنب، بل من شرطها أن يعزم على أن لا يعود، فلو أنه عاد إليه بعد أن عزم على أن لا يعود، فإنه توبته الأولى لا تنتقض ولكن عليه أن يتوب توبة ثانية. اهـ.
وراجع لمزيد الفائدة الفتاوى التالية أرقامها: 123014، 197589، 75805، 190467.
والله أعلم.