الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فان ما دلت عليه آية النجم من نفي الضلال عن النبي أمر مجمع عليه بين الأمة فقد جاء في فتاوى الشيخ ابن باز ج:6ـ371:
قد أجمع المسلمون قاطبة على أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ـ ولا سيما محمد صلى الله عليه وسلم معصومون من الخطأ فيما يبلغونه عن الله عز وجل، قال تعالى: والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى {النجم: 1-5} فنبينا محمد صلى الله عليه وسلم معصوم في كل ما يبلغ عن الله قولاً وعملاً وتقريراً، هذا لا نزاع فيه بين أهل العلم، انتهى ـ
وأما الضلال المثبت في آية الضحى، فقد اختلف أهل العلم في حقيقته، ولكنه ليس هو الضلال المنفي في آية النجم، والراجح أن المراد به عدم معرفته بطريق الهدى قبل الوحي إليه. فقد قال ابن العربي :
حقيقة الضلال الذهاب عن الحق , أخذ من ضلال الطريق , وهو العدول عن سمت القصد , وخص في الشرع بالعبارة عن العدول عن السداد في الاعتقاد دون الأعمال . ومن غريب أمره أنه يعبر به عن عدم المعرفة بالحق إذا قابله غفلة , ولم يقترن بعدمه جهل أو شك , وعليه حمل العلماء قوله : { ووجدك ضالا فهدى } . الذي حققه قوله : { ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان } . اهـ
وجاء في بريقة محمودية :
أما قوله تعالى - { ووجدك ضالا فهدى } - فليس المراد هو الكفر بل بمعنى الضال أي الغائب عن النبوة، أو وجدك بين أهل الضلال فعصمك، أو ضالا عن شريعتك أي لا تعرفها فهداك إليها بالوحي متلوا أو غير متلو، أو الضلال الحيرة التي في غار حراء، والهداية هداية الإسلام، أو لا تعرف الحق إلا مجملا، فهداك إليه مفصلا، أو ضالا بين مكة والمدينة فهداك إلى المدينة ....اهـ
وجاء في فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن للشيخ زكريا الأنصاري : (1/ 615)
قوله تعالى: (ووجدك ضالا فهدى) أي بحق معالم النبوة، وأحكام الشريعة فهداك إليها، أو ضالا في صغرك في شعاب مكة، فردك إلى جدك عبد المطلب، أو وجدك ناسيا فهداك إلى الذكر، لأن الإضلال جاء بمعنى النسيان، كما في قوله تعالى " أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى " وإنما جمع بينهما في قوله تعالى " لا يضل ربي ولا ينسى " لأن الضلال ثم ليس بمعنى النسيان، بل بمعنى الخطأ أو الغفلة اهـ
وفي دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب للشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله :
قوله تعالى: ووجدك ضالا فهدى. هذه الآية الكريمة يوهم ظاهرها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ضالا قبل الوحي، مع أن قوله تعالى: فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها [30] ، يدل على أنه صلى الله عليه وسلم فطر على هذا الدين الحنيف، ومعلوم أنه لم يهوده أبواه ولم ينصراه ولم يمجساه، بل لم يزل باقيا على الفطرة حتى بعثه الله رسولا، ويدل لذلك ما ثبت من أن أول نزول الوحي كان وهو يتعبد في غار حراء، فذلك التعبد قبل نزول الوحي دليل على البقاء على الفطرة. والجواب أن معنى قوله: ضالا فهدى أي غافلا عما تعلمه الآن من الشرائع وأسرار علوم الدين التي لا تعلم بالفطرة ولا بالعقل، وإنما تعلم بالوحي، فهداك إلى ذلك بما أوحى إليك، فمعنى الضلال على هذا القول الذهاب عن العلم. ومنه بهذا المعنى قوله تعالى: أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى [2 /282] . وقوله: لا يضل ربي ولا ينسى [20 /52] ، وقوله: قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم [12 /95] ، وقول الشاعر:
وتظن سلمى أنني أبغي بها ... بدلا أراها في الضلال تهيم.
ويدل لهذا قوله تعالى: ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان [42 /52] ، لأن المراد بالإيمان شرائع دين الإسلام. وقوله: وإن كنت من قبله لمن الغافلين [12 /3] ، وقوله: وعلمك ما لم تكن تعلم [4 /113] ، وقوله وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك [28 /86] . وقيل المراد بقوله: «ضالا» ، ذهابه وهو صغير في شعاب مكة، وقيل: ذهابه في سفره إلى الشام، والقول الأول هو الصحيح، والله تعالى أعلم، ونسبة العلم إلى الله أسلم. اهـ
والله أعلم.