الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالزواج دون ولي باطل عند الأئمة الثلاثة، ويجب فسخه، قال الموفق في الكافي: فإن تزوج بغير إذن ولي، فالنكاح فاسد لا يحل الوطء فيه، وعليه فراقها.
وقال البهوتي في شرح المنتهى: والأصل في اشتراط الولي حديث أبي موسى مرفوعًا: لا نكاح إلا بولي ـ رواه الخمسة إلا النسائي، وصححه أحمد، وابن معين، قاله المروزي.
لكنه يحكم بصحته فلا يفسخ في حالتين:
الأولى: أن يكون العاقد مقلدًا للحنفية في هذه المسألة عن ترجيح معتبر، لا عن تتبع للرخص.
الثانية: أن يصدر عن القاضي الشرعي حكم بصحة العقد، قال الموفق في المغني: فَصْلٌ: فَإِنْ حَكَمَ بِصِحَّةِ هَذَا الْعَقْدِ حَاكِمٌ، أَوْ كَانَ الْمُتَوَلِّي لِعَقْدِهِ حَاكِمًا، لَمْ يَجُزْ نَقْضُهُ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ، وَخَرَّجَ الْقَاضِي فِي هَذَا وَجْهًا خَاصَّةً أَنَّهُ يُنْقَضُ، وَهُوَ قَوْلُ الْإِصْطَخْرِيِّ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، لِأَنَّهُ خَالَفَ نَصًّا، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا مَسْأَلَةٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا، وَيَسُوغُ فِيهَا الِاجْتِهَادُ، فَلَمْ يَجُزْ نَقْضُ الْحُكْمِ لَهُ، كَمَا لَوْ حَكَمَ بِالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ، وَهَذَا النَّصُّ مُتَأَوَّلٌ، وَفِي صِحَّتِهِ كَلَامٌ، وَقَدْ عَارَضَهُ ظَوَاهِرُ.
وللمزيد في تقرير ذلك تنظر الفتوى رقم: 47816.
علمًا بأن كونكم في بلدة غريبة ليس عائقًا دون الحصول على إذن ولي أمر المرأة، فيمكنك الاتصال به، فإذا رضيك زوجًا لموليته، ووكل من ينوب عنه في العقد، بل ولو وكلك أنت في العقد عليها نيابة عنه صح العقد، كما قررناه في الفتوى رقم: 240565.
وما ذكره السائل من رغبة المرأة في أن يكون الشهود بعيدين عنها، يحتمل في نظرنا أحد معنيين:
أـ أن يكون القصد بالبعد البعد في المعرفة والقرابة، فهذا لا يضرّ إذا توفرت في الشهود الشروط المعتبرة لصحة الشهادة المذكورة في الفتوى: 160185.
لأن معرفة الشاهد للزوجين ليست شرطًا في صحة الشهادة، كما قررناه في الفتوى رقم: 139870.
بل البعد أنفى للتهمة، وقد قال البهوتي في الكشاف على الإقناع: وَلَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِمُتَّهَمٍ لِرَحِمٍ، كَابْنَيْ الزَّوْجَيْنِ، أَوْ ابْنَيْ أَحَدِهِمَا، وَنَحْوِهِ، كَأَبَوَيْهِمَا، وَابْنِ أَحَدِهِمَا، وَأَبِي الْآخَرِ لِلتُّهْمَةِ.
إلا أن البعد وعدم المعرفة مظنة جهالة حال الشهود، فلا بد من ثبوت العدالة لصحة الشهادة، إلا أن العدالة الظاهرة كافية في هذه الشهادة مراعاة للحال، جاء في الكشاف على الإقناع ممزوجين: ويَكْفِي الْعَدَالَةُ ظَاهِرًا فَقَطْ فِي الشَّاهِدَيْنِ بِالنِّكَاحِ بِأَنْ لَا يَظْهَرُ فِسْقُهُمَا؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ الشَّهَادَةِ إعْلَانُ النِّكَاحِ؛ وَلِهَذَا يَثْبُتُ بِالتَّسَامُعِ، فَإِذَا حَضَرَ مَنْ يَشْتَهِرُ بِحُضُورِهِ كَفَى، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ يَقَعُ بَيْن عَامَّةِ النَّاسِ فِي مَوَاضِعَ لَا تُعْرَف فِيهَا حَقِيقَةُ الْعَدَالَةِ فَاعْتِبَارُ ذَلِكَ يَشُقُّ. اهـ.
ب ـ أن يكون القصد أن لا يوجد شهود أصلًا، وهذا مفسد للنكاح، فقد روى ابن حبان، والبيهقي، وصححه الذهبي من حديث عمران بن حصين مرفوعًا: لا نكاح إلا بولي، وشاهدي عدل.
وما ذكر من إخبار الزوج مقربيه بأمر الزواج، وإعلام الناس بذلك لاحقًا قد يفهم منه أنه وقع بلا شهود، وإن كان هذا هو الواقع فقد علمت الحكم فيه، وإن كان القصد أن العقد قد تم خفية، وقد شهد عليه عدلان فالصحيح أن عدم الإشهار، والتواصي على كتمان العقد لا يفسده على أصح قولي أهل العلم في ذلك، متى تحققت الشروط الأخرى؛ لأن الإشهار ليس من شروط صحة النكاح، كما حررناه في الفتوى رقم: 127689.
وإنما هو مستحب، كما بيناه في الفتوى رقم: 22840.
جاء في الكشاف على الإقناع ممزوجين: فَإِنْ كَتَمَهُ ـ أَيْ: النِّكَاحُ ـ الزَّوْجَانِ، وَالْوَلِيُّ، وَالشُّهُود قَصْدًا صَحَّ الْعَقْدُ، وَكُرِهَ كِتْمَانُهُمْ لَهُ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ إعْلَانُ النِّكَاحِ.
فإذا تقرر ما سبق، فإن كان العقد صحيحًا حلّ لك منها ما يحل للرجل من امرأته، وإن كان باطلًا وجب فسخه وهي أجنبية منك، ويجب أن تبتعد عنها حتى تعقد عليها عقدًا صحيحًا إذا كنت ترغب في ذلك.
والله أعلم.