الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فصلة الرحم واجبة، وقطعها محرم، بل من كبائر المحرمات، فعن جبير بن مطعم أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ. متفق عليه.
وصلة الرحم وقطعها تختلف باختلاف الأحوال، والأعراف، وأدنى درجات الصلة السلام، فمن تركه فهو قاطع، فليس القطع مقصورًا على الإساءة إليهم، أو إيذائهم، وإنما يحصل القطع بتعمد هجرهم بالكلية.
جاء في غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب: قَالَ مُثَنَّى: قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: الرَّجُلُ يَكُونُ لَهُ الْقَرَابَةُ مِنْ النِّسَاءِ، فَلَا يَقُومُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَأَيُّ شَيْءٍ يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ بِرِّهِمْ، وَفِي كَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَهُمْ؟ قَالَ: اللُّطْفُ، وَالسَّلَامُ.
وَفِي الْحَدِيثِ «بُلُّوا أَرْحَامَكُمْ وَلَوْ بِالسَّلَامِ» رَوَاهُ الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا، وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الطُّفَيْلِ، وَالْبَيْهَقِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. اهـ.
وقال القاضي عياض: وللصلة درجات بعضها أرفع من بعض، وأدناها ترك المهاجرة، وصلتها بالكلام ولو بالسلام، ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة، فمنها واجب، ومنها مستحب، ولو وصل بعض الصلة، ولم يصل غايتها، لا يسمى قاطعًا، ولو قصر عما يقدر عليه وينبغي له أن يفعله لا يسمى واصلًا . نقله العيني في عمدة القاري شرح صحيح البخاري.
وصلة الرحم واجبة للقريب ولو كان فاسقًا.
قال السفاريني: وَقَالَ الْفَضْلُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: رَجُلٌ لَهُ إخْوَةٌ، وَأَخَوَاتٌ بِأَرْضِ غَصْبٍ تَرَى أَنْ يَزُورَهُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ يَزُورُهُمْ، وَيُرَاوِدُهُمْ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْهَا، فَإِنْ أَجَابُوا إلَى ذَلِكَ، وَإِلَّا لَمْ يُقِمْ مَعَهُمْ، وَلَا يَدَعُ زِيَارَتَهُمْ. اهـ.
لكن يجوز هجر القريب الفاسق إذا ظهرت المصلحة في هجره؛ وراجع الفتوى رقم: 14139.
والله أعلم.