الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل في التسبيح والأذكار المطلوبة أدبار الصلوات، أن تكون عقب الصلاة المكتوبة مباشرة؛ لأن هذا ما تدل عليه ظواهر الأحاديث الشريفة الواردة في هذا الباب، ومن أصرحها حديث ثوبان ـ رضي الله عنه ـ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلَاثًا، وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ، وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ. رواه مسلم، وغيره.
وكذلك حديث كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ ـ رضي الله عنه ـ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: مُعَقِّبَاتٌ لَا يَخِيبُ قَائِلُهُنَّ ـ أَوْ فَاعِلُهُنَّ ـ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ: ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ تَسْبِيحَةً، وَثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ تَحْمِيدَةً، وَأَرْبَعٌ وَثَلَاثُونَ تَكْبِيرَةً. رواه مسلم، وغيره أيضًا.
يقول الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ في السلسلة الصحيحة: معقِّبات أي: كلمات تقال عقب الصلاة، والمعقب ما جاء عقب ما قبله، والحديث نص على أن هذا الذكر إنما يقال عقب الفريضة مباشرة، ومثله ما قبله من الأوراد، وغيرها، سواء كانت الفريضة لها سنة بعدية، أو لا، ومن قال من المذاهب بجعل ذلك عقب السنة، فهو مع كونه لا نص لديه بذلك، فإنه مخالف لهذا الحديث وأمثاله مما هو نص في المسألة. انتهى.
وبناء عليه, فالصواب أن تأتي بتلك الأذكار بعد الفريضة مباشرة, وقبل الإتيان بالسنة الراتبة، إن كانت ثم سنة راتبة.
مع التنبيه على أنه من السنة أن تؤدى راتبة الفجر قبله, إن أمكن ذلك, ومن فاتته, جاز له قضاؤها بعد الفرض مباشرة عند بعض أهل العلم, وقال بعضهم: يقضيها بعد شروق الشمس؛ وراجعي التفصيل في الفتوى رقم: 25849.
ومن نسي الأذكار المأثورة بعد الفريضة, أو تشاغل عنها, فإن أتى بها قبل فصل طويل، حصل له كمال ثوابها, وإن أتى بها بعد فصل طويل, فاته كمال الأجر، وحصل على ثواب الذكر المطلق، ويرجع في تحديد الطول إلى ما تعارف عليه الناس عادة.
جاء في كشاف القناع للبهوتي أثناء الحديث عن الأذكار المأثورة بعد الفريضة: قال ابن نصر الله في الشرح: والظاهر أن مرادهما أن يقول ذلك، وهو قاعد، ولو قاله بعد قيامه، وفي ذهابه، فالظاهر أنه مصيب للسنة أيضًا، إذ لا تحجير في ذلك، ولو شغل عن ذلك، ثم تذكره، فذكره، فالظاهر حصول أجره الخاص له أيضًا إذا كان قريبًا لعذر، أما لو تركه عمدًا ثم استدركه بعد زمن طويل، فالظاهر فوات أجره الخاص، وبقاء أجر الذكر المطلق له. انتهى.
وجاء في حاشية قليوبي وعميرة على المذهب الشافعي: والذكر بعدها ـ يعني الصلاة المفروضة ـ أي: عقبها، فيفوت بطول الفصل عرفًا، وبالراتبة.
وقال ابن حجر: لا يفوت الذكر بطول الفصل، ولا بالراتبة, وإنما الفائت كماله فقط، وهو ظاهر حيث لم يحصل طول عرفًا بحيث لا ينسب إليها. انتهى منه باختصار.
وراجعي لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 117464.
والله أعلم.