الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المقصود بمتون الأحاديث النبوية هي أقوال النبي صلى الله عليه وسلم، وأفعاله، وتقريراته، وقد يكون المتن متواترًا أو آحادًا، والآحاد قد يكون صحيحًا، أو حسنًا، أو ضعيفًا، فهذه هي صفات متون الأحاديث النبوية.
وقد بين ذلك الحافظ ابن حجر العسقلاني - رحمه الله - في نزهة النظر حيث قال: والمَتْنُ: هُو غايَةُ ما يَنْتَهي إِليه الإِسنادُ مِن الكلامِ، وهُو إِمَّا أَنْ يَنْتَهِيَ إِلى النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، ويقتَضي لفظُهُ - إِمَّا تَصْريحًا، أَوْ حُكْمًا - أَنَّ المنَقْولَ بذلك الإِسنادِ مِن قولِهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، أَوْ مِن فِعْلِهِ، أو مِن تَقريرِهِ.
مثالُ المَرفوعِ مِن القولِ تَصريحًا: أَن يقولَ الصَّحابيُّ: سمعتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ: كذا، أَو حدَّثَنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بكَذا ...
ومِثالُ المَرفوعِ مِن الفِعْلِ تَصريحاً: أَن يقولَ الصَّحابيُّ: رأَيْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فعَلَ كذا، أَو يقولَ هُو، أَو غيرُه: كانَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يفعَلُّ كذا.
ومِثالُ المَرفوعِ مِن التَّقريرِ تَصريحًا: أَنْ يقولَ الصَّحابيُّ: فعَلْتُ بحضرَةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كذا، أَو يقولَ هو، أَو غيرُه: فعَلَ فُلانٌ بحَضْرَةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كذا، ولا يذكُرُ إِنكارَهُ لذلك.
ومثالُ المرفوعِ مِن القولِ حُكْمًا، لا تَصْريحًا: أَنْ يقولَ الصَّحابيُّ - الَّذي لم يأْخُذْ عَنِ الإِسرائيليَّاتِ - ما لا مجالَ للاجْتِهادِ فيهِ، ولا لهُ تعلُّقٌ ببيانِ لُغةٍ، أَو شرحِ غريبٍ؛ كالإِخْبارِ عنِ الأمورِ الماضيةِ مِن بدْءِ الخَلْقِ، وأَخْبارِ الأنبياءِ - عليهم الصلاة والسلام -، أَو الآتيةِ، كالملاحمِ، والفِتَنِ، وأَحوالِ يومِ القيامةِ ...
ومِثالُ المَرفوعِ مِن الفِعْلِ حُكمًا: أَنْ يفعَلَ الصَّحابيُّ ما لا مَجالَ للاجْتِهادِ فيهِ، فيُنَزَّلُ على أَنَّ ذلك عندَه عنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، كما قالَ الشافعيُّ في صلاةِ عليٍّ في الكُسوفِ في كُلِّ ركعةٍ أَكثرَ مِن رُكوعَيْنِ.
ومثالُ المَرفوعِ مِن التَّقريرِ حُكْمًا: أَنْ يُخبِرَ الصَّحابيُّ أَنَّهُم كانُوا يفْعَلونَ في زمانِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كذا؛ فإِنَّهُ يكونُ لهُ حُكمُ الرَّفعِ مِن جهةِ أَنَّ الظَّاهِرَ اطِّلاعُهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ على ذلك؛ لتوفُّرِ دَواعِيهِم على سُؤالِهِ عن أُمورِ دِينِهم، ولأنَّ ذلك الزَّمانَ زمانُ نُزولِ الوَحْيِ، فلا يقعُ مِن الصَّحابةِ فِعْلُ شيءٍ، ويستمرُّونَ عليهِ إِلاَّ وهُو غيرُ ممنوعِ الفعلِ.
وقدِ استدلَّ جابِرٌ، وأَبو سعيدٍ الخُدريُّ - رضي الله عنهما - على جوازِ العَزْلِ، بأَنَّهُم كانوا يفعَلونَه والقرآنُ ينزِلُ، ولو كانَ ممَّا يُنْهَى عنهُ لنَهى عنهُ القُرآنُ. انتهى.
وللفائدة يرجى مراجعة هذه الفتوى: 11828.
والله أعلم.