الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التصوير الفوتوغرافي والمرئية، محل خلاف بين أهل العلم، ومع كون الراجح عندنا جواز ذلك، إلا أنه قد تقدم النصح بتجنب ما لا تدعو الحاجة إليه خروجا من الخلاف واستبراء للدين، وراجعي الفتويين رقم: 124749، ورقم: 214816.
وأما مشاهدة صور ذوات الأرواح المعروضة في الفيديو والتلفاز: فيجوز لك حتى على القول بحرمة التصوير مطلقا ما لم يشتمل على شيء محرم شرعا، فقد ذكر ابن قدامة في المغني جواز النظر إلى الصور المرسومة باليد إذا كانت على الستور والجدران، وإذا تقرر ذلك فجواز النظر إلى الصور الفوتوغرافية والمرئية في الفيديو أولى بالجواز، قال رحمه الله: فَأَمَّا دُخُولُ مَنْزِلٍ فِيهِ صُورَةٌ, فَلَيْسَ بِمُحَرَّمٍ, وَإِنَّمَا أُبِيحَ تَرْكُ الدَّعْوَةِ مِنْ أَجَلِهِ عُقُوبَةً لِلدَّاعِي, بِإِسْقَاطِ حُرْمَتِهِ، لإِيجَادِهِ الْمُنْكَرَ فِي دَارِهِ، وَلا يَجِبُ عَلَى مَنْ رَآهُ فِي مَنْزِلِ الدَّاعِي الْخُرُوجُ, فِي ظَاهِرِ كَلامِ أَحْمَدَ... وَلَنَا مَا رُوِيَ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ الْكَعْبَةَ, فَرَأَى فِيهَا صُورَةَ إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ يَسْتَقْسِمَانِ بِالأَزْلامِ, فَقَالَ: قَاتَلَهُمْ اللَّهُ, لَقَدْ عَلِمُوا أَنَّهُمَا مَا اسْتَقْسَمَا بِهَا قَطُّ ـ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ خَبَرِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ دَخَلَ بَيْتًا فِيهِ تَمَاثِيلُ, وَفِي شُرُوطِ عُمَرَ ـ رضي الله عنه ـ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ: أَنْ يُوَسِّعُوا أَبْوَابَ كَنَائِسِهِمْ وَبِيَعِهِمْ, لِيَدْخُلَهَا الْمُسْلِمُونَ لِلْمَبِيتِ بِهَا, وَالْمَارَّةُ بِدَوَابِّهِمْ, وَرَوَى ابْنُ عَائِذٍ فِي فُتُوحِ الشَّامِ: أَنَّ النَّصَارَى صَنَعُوا لَعُمَرَ ـ رضي الله عنه ـ حِينَ قَدِمَ الشَّامَ طَعَامًا, فَدَعَوْهُ, فَقَالَ: أَيْنَ هُوَ؟ قَالُوا: فِي الْكَنِيسَةِ, فَأَبَى أَنْ يَذْهَبَ وَقَالَ لَعَلِيٍّ: امْضِ بِالنَّاسِ, فَلِيَتَغَدَّوْا، فَذَهَبَ عَلِيٌّ ـ رضي الله عنه ـ بِالنَّاسِ, فَدَخَلَ الْكَنِيسَةَ, وَتَغَدَّى هُوَ وَالْمُسْلِمُونَ, وَجَعَلَ عَلِيٌّ يَنْظُرُ إلَى الصُّوَرِ, وَقَالَ: مَا عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ دَخَلَ فَأَكَلَ, وَهَذَا اتِّفَاقٌ مِنْهُمْ عَلَى إبَاحَةِ دُخُولِهَا وَفِيهَا الصُّورُ, وَلأَنَّ دُخُولَ الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ غَيْرُ مُحَرَّمٍ, فَكَذَلِكَ الْمَنَازِلُ الَّتِي فِيهَا الصُّوَرُ, وَكَوْنُ الْمَلائِكَةِ لا تَدْخُلُهُ لا يُوجِبُ تَحْرِيمَ دُخُولِهِ عَلَيْنَا، كَمَا لَوْ كَانَ فِيهِ كَلْبٌ, وَلا يَحْرُمُ عَلَيْنَا صُحْبَةُ رُفْقَةٍ فِيهَا جَرَسٌ, مَعَ أَنَّ الْمَلائِكَةَ لا تَصْحَبُهُمْ, وَإِنَّمَا أُبِيحَ تَرْكُ الدَّعْوَةِ مِنْ أَجْلِهِ عُقُوبَةً لِفَاعِلِهِ, وَزَجْرًا لَهُ عَنْ فِعْلِهِ. انتهى.
ولا يوجد دليل على أن مشاهدة صور ذوات الأرواح تنسي حفظ القرآن إلا إذا كانت هذه الصور تشتمل على صور محرمة، فإن من عقوبة الذنوب أنها تنسي العلم، وأعظم العلم القرآن، فقد ذكر ابن القيم في طريق الهجرتين أن من سوء عاقبة المعصية: تواري العلم الذي كان مستعداً له عنه، ونسيان ما كان حاصلاً له أَو ضعفه ولابد. انتهى.
ولا إنكار في مثل هذه المسائل التي هي من مسائل الخلاف المعتبر، وإنما هو التناصح والاستدلال والترجيح، قال القرافي ـ رحمه الله ـ في الفروق: وقال الشيخ محي الدين النووي في منهاجه: أما المختلف فيه فلا إنكار فيه، وليس للمفتي ولا للقاضي أن يعترض على من خالفه إذا لم يخالف نص القرآن أو السنة أو الإجماع. انتهى.
وراجعي الفتويين رقم: 64653، ورقم: 95884.
وحيث إنه لا إنكار في مثل هذه المسائل فمن اعتقد حرمة التصوير فلا نقول إن له الرضا بوقوعه من غيره، ولكن له السكوت عنه وهو يراه يمارسه، وأما هل تأثمين إذا صور أحد ممن هم تحت رعايتك ومسؤوليتك، أو إذا سمحت لأحد أن يصور بأجهزتك؟ فالجواب: أنك ما دمت تعتقدين حرمة التصوير فلا يجوز لك أن تمكني أحدا من التصوير سواء بالسماح له بفعله أو باستعمال جهازك.
والله أعلم.