الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمحبة الله للعبد لها علامات، ذكرنا طرفًا منها في الفتويين رقم: 58064، ورقم: 224545، ومن هذه العلامات التوفيق إلى طاعة الله ومراضيه، فلا مانع من أن يستأنس العبد بها في طريقه إلى الله تعالى.
لكن القطع والجزم بذلك لا سبيل إليه إلا بنص، فالقطع بمحبة الله للعبد، كالقطع بإدخاله الجنة، وهذا لا يجوز إلا بوحي من الله، وإلا كان من وسوسة الشيطان، وقد قال الله تعالى محذرًا من اتباع خطوات الشيطان: إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ {البقرة:169}.
والصحابة - وهم أفضل الخلق - لم يكونوا يقطعون لأنفسهم بدخول الجنة، وقد روى البخاري عن ابن أبي مليكة أنه قال: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه، وانظري الفتويين رقم: 69593 ، ورقم: 23025.
كما أن إحسان الظن بالله، ورجاء رحمته: لا يعني أن يغفل العبد عن الجمع بين ذلك وبين الخوف من الجليل جل جلاله؛ قال في الإحياء: فإن كل من رجا محبوبًا فلا بد وأن يخاف فوته، فإن كان لا يخاف فوته فهو إذن لا يحبه، فلا يكون بانتظاره راجيًا، فالخوف والرجاء متلازمان، يستحيل انفكاك أحدهما عن الآخر، نعم، يجوز أن يغلب أحدهما على الآخر، وهما مجتمعان، ويجوز أن يشتغل القلب بأحدهما، ولا يلتفت إلى الآخر في الحال لغفلته عنه؛ وهذا لأن من شرط الرجاء والخوف تعلقهما بما هو مشكوك فيه؛ إذ المعلوم لا يرجى ولا يخاف، فإذن المحبوب الذي يجوز وجوده يجوز عدمه لا محالة، فتقدير وجوده يروح القلب، وهو الرجاء، وتقدير عدمه يوجع القلب، وهو الخوف، والتقديران يتقابلان لا محالة؛ إذا كان ذلك الأمر المنتظر مشكوكًا فيه، نعم، أحد طرفي الشك قد يترجح على الآخر بحضور بعض الأسباب، ويسمى ذلك ظنًّا، فيكون ذلك سبب غلبة أحدهما على الآخر، فإذا غلب على الظن وجود المحبوب قوي الرجاء، وخفي الخوف بالإضافة إليه، وكذا بالعكس.
وعلى كل حال: فهما متلازمان؛ ولذلك قال تعالى: وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا {الأنبياء:90}، وقال عز وجل: يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا {السجدة:16}، ....".
وانظري لمزيد الفائدة الفتويين رقم: 164935، ورقم: 161317.
والله أعلم.