الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتبطل صلاة هذا الإمام بانتقاله إلى سجود التلاوة بعد شروعه في ركن الركوع إن كان عالما بالحكم الشرعي، فقد كان الواجب عليه أن يستمر في ركوعه هذا على الراجح، ففي التاج والإكليل:.. في الذي نسي التكبير في صلاة العيد، والذي نسي سجود التلاوة, والذي ذكر سجود سهو قبل السلام من فريضة في فريضة أو نافلة, والذي نسي السورة مع أم القرآن، فذكر ذلك وهو راكع، فإنه يتمادى في ذلك كله.
وقال النووي في المجموع: فلو قرأ السجدة فلم يسجد ثم بدا له أن يسجد لم يجز، لأنه تلبس بالفرض، فلا يتركه للعود إلى سنة, ولأنه يصير زائدا ركوعا, فلو بدا له قبل بلوغ حد الراكعين جاز.
وأما الحنفية فقالوا: لو نسي سجدة التلاوة ومحلها فتذكرها في الركوع أو السجود أو القعود، فإنه ينحط لها ثم يعود إلى ما كان فيه فيعيده استحبابا.
وهذا مع قولهم بعدم جواز ترك الفرض لأجل الواجب، إلا إنهم استثنوا من ذلك سجود التلاوة، فقالوا: ولو قام ما جاز له العود، لئلا يلزم ترك الفرض وهو القيام لأجل الواجب وهو القعود الأول، ولا يلزم سجدتا التلاوة، فإنه يترك الفرض لأجلها, وهي واجبة، لأن ذلك ثبت بالنص على خلاف القياس, وهو ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة كانوا يسجدون ويتركون القيام لأجلها ويسجد للسهو، لأنه ترك الواجب. العناية شرح الهداية.
وهذا الاستثناء لم ينص عليه أصحاب المذاهب الأخرى، والنص الذي أشار إليه الحنفية وخالفوا من أجله القياس لم نعثر عليه في كتب السنة ولا نعلم ثبوته، وراجع بخصوص حكم سجود التلاوة الفتوى رقم: 17777.
وعلى ذلك، فترك الركن لأجل سجدة التلاوة أو لأجل غيرها مما ليس بركن سواء في الحكم، ومن ثم نرى بطلان صلاة من فعل هذا عامدا ذاكرا عالما بالحكم الشرعي، وانظر الفتوى رقم: 97104.
وكما تبطل صلاة الإمام العالم بالحكم الشرعي فكذلك تبطل صلاة من تابعه من المأمومين على ذلك عالما بالحكم، وانظر للفائدة الفتوى رقم: 104051، وما أحيل عليه فيها.
أما الجاهل بالحكم من إمام أو مأموم، فلا تبطل صلاته على الراجح، قال ابن قدامة في المغني: فإن مضى في موضع يلزمه الرجوع, أو رجع في موضع يلزمه المضي, عالما بتحريم ذلك، فسدت صلاته، لأنه ترك واجبا في الصلاة عمدا، وإن فعل ذلك معتقدا جوازه لم تبطل، لأنه تركه من غير تعمد, أشبه ما لو مضى قبل ذكر المتروك.... إلخ.
وللاطلاع على خلاف العلماء في العذر بالجهل في أمور العبادات ونحوها انظر الفتويين رقم: 102542، ورقم: 123136، وما أحيل عليه فيهما.
والله أعلم.