الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمراد بصحة الحديث الوثوق في نسبته للنبي صلى الله عليه وسلم، وذلك من خلال دراسة الأسانيد والنظر في المتن، للتحقق من توفر شروط الصحة. وهذا قد يحصل بطريقة قطعية يقينية، كما هو الحال في الأحاديث المتواترة، وهي كثيرة، ولا تفاوت بينها من ناحية الثبوت، ولا يصح أن يقال في القطعي الثبوت: إن بعضه أصح من بعض !! فإن صحته لا تعتمد على مجرد الإسناد وإنما على النقل المتواتر الذي يفيد العلم.
قال الحافظ ابن حجر في (نزهة النظر): الخبر إما أن يكون له طرق بلا عدد معين. أو مع حصر بما فوق الاثنين. أو بهما. أو بواحد. فالأول: المتواتر المفيد للعلم اليقيني بشروطه ... وكلها - سوى الأول - آحاد، وفيها المقبول والمردود، لتوقف الاستدلال بها على البحث عن أحوال رواتها، دون الأول. اهـ.
وإنما نقرر هذا ليعلم السائل أن سؤاله لا محل له، فالأحاديث المتواترة وكل ما هو قطعي الثبوت، لا يتفاوت في الصحة !
ولزيادة الفائدة نقول: إن أهل العلم اختلفوا بعد ذلك في تعيين أصح الأسانيد، وقد ذهب كثير من المحققين إلى الإمساك عن الحكم لإسناد معين بأنه أصح الأسانيد.
قال العراقي في ألفيته:
وبالصحيح والضعيف قصدوا في ظاهر لا القطع، والمعتمد
إمساكنا عن حكمنا على سند بأنه أصح مطلقا وقد
خاض به قوم فقيل: مالك عن نافع بما رواه الناسك
قال السخاوي في (فتح المغيث): اعلم أنه لا يلزم من الحكم بالصحة في سند خاص الحكم بالأصحية لفرد مطلقا، بل (المعتمد إمساكنا) أي: كفنا (عن حكمنا على سند) معين (بأنه أصح) الأسانيد (مطلقا) كما صرح به غير واحد من أئمة الحديث. وقال النووي إنه المختار؛ لأن تفاوت مراتب الصحيح مترتب على تمكن الإسناد من شروط الصحة، ويعز وجود أعلى درجات القبول من الضبط، والعدالة ونحوهما في كل فرد فرد من رواة الإسناد، من ترجمة واحدة بالنسبة لجميع الرواة الموجودين في عصره؛ إذ لا يعلم أو يظن أن هذا الراوي حاز أعلى الصفات حتى يوازى بينه وبين كل فرد من جميع من عاصره. اهـ.
والله أعلم.