الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا مات الانسان فقد انتقل من عالم الدنيا إلى عالم البرزخ، وهو من عالم الغيب الذي لا نعلم عنه شيئا إلا ما جاء به الوحي من علام الغيوب.
والميت له نوع شعور وإدراك، وانفعال بما يفعله الأحياء وما يدور حوله، سواء بات أول ليلة بالقبر أم بالمنزل، وسواء كانوا جيرانه أم غيرهم، لكن ما دائرة هذا الشعور؟ وما نوعه؟ وما كيفية الانفعال وما حقيقته؟ لاجزم بشيء من هذه التفاصيل نفيا أو إثباتا، إلا ما جاء بالنقل من الوحي، كما قررناه في الفتوى رقم: 58523 , وهذا الأصل يدل عليه ما يلي:
السمع: فمن ذلك ما أورده أهل العلم المرجحين لسماع الأموات صوت الأحياء، وانظر تلك الأدلة وبيان الراجح في مسألة السماع والأقوال فيها الفتويين: 4276 ، 54731 وما أحيل عليه فيها.
ـ الأنس، فمن ذلك ما جاء في حديث عمرو بن العاص لما توفي وقال لأصحابه: فَإِذَا دَفَنْتُمُونِي فَشُنُّوا عَلَيَّ التُّرَابَ شَنًّا، ثُمَّ أَقِيمُوا حَوْلَ قَبْرِي قَدْرَ مَا تُنْحَرُ جَزُورٌ وَيُقْسَمُ لَحْمُهَا، حَتَّى أَسْتَأْنِسَ بِكُمْ، وَأَنْظُرَ مَاذَا أُرَاجِعُ بِهِ رُسُلَ رَبِّي. وراه مسلم.
ـ الاستبشار: فمن ذلك استبشار الأموات بزوارهم من الأحياء: فقد قال ابن القيّم ـ في سلام الزائر للمقابر ـ : وهذا خطاب لمن يسمع ويعقل، ولولا ذلك لكان هذا الخطاب بمنزلة خطاب المعدوم والجماد، والسّلف مجمعون على هذا، وقد تواترت الآثار بأنّ الميّت يعرف زيارة الحيّ له ويستبشر به.
ـ الاطلاع على أخبار الأحياء: فمن ذلك ما جاء في الأثر الموقوف الذي صححه العراقي، وبينا أن له حكم الرفع، واستدل به شيخ الإسلام ابن تيمية على عرض أعمال الأحياء على الأموات عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه. وانظره بتمامه في الفتوى رقم: 54990.
والله أعلم.