الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما أشار إليه السائل محل نظر وبحث عند أهل العلم، وقد ذهب الإمام أحمد وغيره إلى ترك الكتابة عن علي بن الجعد لبدعته، وخالفهم غيرهم ـ وهم الجمهور ـ فرأوه متأولا في بدعته، مع صدق لهجته، وإتقان حفظه، فقبلوا روايته ووثقوه. وامتاز الإمام البخاري بانتقاء أصح رواياته، فأخرج له عن شعبة؛ لأنه أثبت أهل بغداد فيه.
قال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري): علي بن الجعد بن عبيد الجوهري أبو الحسن البغدادي، أحد الحفاظ، قال يحيى بن معين: ما روى عن شعبة من البغداديين أثبت منه. فقال له رجل: ولا أبو النضر؟ فقال: ولا أبو النضر. فقال: ولا شبابة؟ قال: ولا شبابة. وقال أبو حاتم: لم أر من المحدثين من يحدث بالحديث على لفظ واحد لا يغيره سوى علي بن الجعد. وذكره غيره، ووثقه آخرون. وتكلم فيه أحمد من أجل التشيع، ومن أجل وقوفه في القرآن. قلت: روى عنه البخاري من حديثه عن شعبة فقط أحاديث يسيرة. اهـ.
وهناك موضع واحد أخرجه الإمام البخاري عن ابن الجعد عن غير شعبة. فقال البخاري: حدثنا علي حدثنا إسحاق بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص عن أبيه عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما.
قال الحافظ: قوله: "حدثنا علي" كذا للجميع غير منسوب، ولم يذكره أبو علي الجياني في تقييده، ولا نبه عليه الكلاباذي، وقد ذكرت في المقدمة أنه علي بن الجعد؛ لأن علي بن المديني لم يدرك إسحاق بن سعيد. اهـ.
وهذا لم يتفرد به ابن الجعد، فتابعه أبو النضر هاشم بن القاسم ـ وهو ثقة ثبت ـ عند الإمام أحمد في مسنده.
وقد سبق لنا تحرير مسألة: حكم الرواية عن أهل البدع، في الفتوى رقم: 131805. وبيان سبب رواية البخاري عن الخوارج، في الفتوى رقم: 138847.
وأما حريز بن عثمان، فقد أخرج له الإمام البخاري لرجوعه عن تناول علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وذلك أنه روى عن أبي اليمان قال: كان حريز يتناول من رجل، ثم ترك يعني علياً. اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر في التهذيب: إنما أخرج له البخاري لقول أبي اليمان إنه رجع عن النصب.
وراجع في ذلك الفتوى رقم: 175803.
والله أعلم.