الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعلم تحسين السلالة ارتبطت نشأته وفلسفته من قبل الحرب العالمية الثانية بأفكار خطيرة وعنصرية، ولا زالت هذه الأفكار تسيطر على قطاع من الغربيين الذي يرون أنفسهم الجنس الأفضل، وأن من عداهم لا يستحق البقاء! والمقصود أن هذا العلم مرتبط ببعض الأفكار الإجرامية، وقد ترتب عليه الكثير من المخاطر والمحاذير الشرعية.
وهذا لا يعني خلو ذلك العلم من الفائدة، أو أنه محرم بكل صوره، فإن هناك بعض الإجراءات العلاجية والوقائية المباحة يمكن تصنيفها تحت علم تحسين السلالات أو علم الهندسة الوراثية، وقد جاء ضمن قرار المجمع الفقهي بعد النظر في موضوع استفادة المسلمين من علم الهندسة الوراثية ما نصه:
ـ رابـعًا: لا يجوز استخدام أي من أدوات علم الهندسة الوراثية ووسائله، للعبث بشخصية الإنسان، ومسئوليته الفردية أو للتدخل في بنية المورثات الجينات بدعوى تحسين السلالة البشرية.
ـ خامسًا: لا يجوز إجراء أي بحث، أو القيام بأية معالجة، أو تشخيص يتعلق بمورثات إنسان ما، إلا للضرورة، وبعد إجراء تقويم دقيق وسابق للأخطار والفوائد المحتملة المرتبطة بهذه الأنشطة، وبعد الحصول على الموافقة المقبولة شرعًا، مع الحفاظ على السرية الكاملة للنتائج، ورعاية أحكام الشريعة الإسلامية الغراء، القاضية باحترام الإنسان وكرامته. اهـ.
وبالنسبة للأحكام الفقهية المتعلّقة بذلك، فقد أعد فيها الدكتور عبد الله بن جابر الجهني بحثا نشر في مجلة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ومما جاء فيه: التدخل الجيني قد يكون لتعديل صفة وراثية في الشخص من أجل الحصول على نسل محسّن ذي صفات معيّنة كتغيير لون البشرة، أو العين، أو الطول، أو زيادة الذكاء، ونحو هذا، وقد اختلف العلماء المعاصرون في حكم هذا التدخل لهذا الغرض على قولين:
ـ القول الأول: تحريم هذا النوع من التدخل الوراثي، وهو قول أكثر المعاصرين، وبه صدر توصية ندوة الوراثة والهندسة الوراثية والجينوم البشري والعلاج الجيني ـ رؤية إسلامية ـ حيث جاء في توصيتها ما نصه: كذلك ترى الندوة أنه لا يجوز استخدام الهندسة الوراثية سياسة لتبديل البنية الجينية فيما يسمى بتحسين السلالة البشرية، ولذا فإن أي محاولة للعبث الجيني بشخصية الإنسان، أو التدخل في أهليته للمسؤولية الفردية أمر محظور شرعاً.
ـ القول الثاني: إباحة الانتفاع بالتدخل الوراثي بغية تغيير المقاييس بالطول، أو القصر، أو الجمال، ونحوها، وهو قول لبعض المعاصرين. اهـ.
وذكر أدلة القولين، ثم قال: الذي يترجّح لدي في هذه المسألة ـ والعلم عند الله تعالى ـ هو القول الأول القاضي بعدم جواز هذا النوع من التدخل الوراثي، لما يلي.. اهـ.
ثم ذكر أسباب الترجيح.
والله أعلم.