الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فجزاك الله خيراً على النصح لوالدك، ونسأل الله لك المزيد من التوفيق والسداد، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أفضل القرب والطاعات التي يتقرب بها العبد لربه، قال تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110].
وقال صلى الله عليه وسلم: الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم. رواه مسلم وغيره.
وأولى الناس بالنصح هم الأقارب الأدنون، إذ أن حقهم مضاعف فلهم حق الإسلام وحق القرابة، ولا شك أن حق الوالدين في هذا أوكد، وجهات الحق إذا تعددت ازداد تأكده.
إلا أننا ننبه السائل إلى اختيار الوسائل المناسبة لدعوته، والمحافظة على احترام الوالدين وتوقيرهما وتجنب الأفعال التي تدخل في عقوقهما، ولا يعد ترك البيت تجنباً للفتن عقوقاً للوالدين ولو نهياك عن ذلك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. رواه أحمد.
هذا إذا كان وجودك معهم فيه ضرر على دينك، أما إذا لم تتضرر بوجودك معهم ولم يؤد إلى ارتكاب محرم، ونهياك عن ترك البيت، فطاعتهما في ذلك واجبة، لعموم الأدلة على وجوب بر الوالدين، والطاعة نوع من البر، وحيث قلنا بجواز خروجك من البيت فإنه مشروط بعدم تضييع حقوقهما الواجبة كالخدمة والنفقة إن احتاجا إليها.
وليعلم أنه يسن هجرة أهل المعاصي في الجملة، ويجب أحياناً، أما الوالدان، فلهما حق زائد عن بقية الناس، فيهجران في المعاصي التي يفعلانها ويستمر البر بهما في بقية الأوقات، كما قال تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفا [لقمان:15].
ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم:
18120 .
ولمعرفة ضوابط هجر العصاة راجع الفتوى رقم:
20400 والفتوى رقم:
20346.
والله أعلم.