الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأحاديث ليست على منوال واحد، فمنها المتفق على صحته كما في أحاديث البخاري ومسلم، وكثير من أحاديث ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وهناك نوع من الحديث مختلف في صحته وتضعيفه، وهذا الاختلاف راجع إلى ما وقف عليه كل عالم من أحوال الرواة، وطرق الحديث، وشواهده ومتابعاته، فقد يقف العالم المعاصر على ما غاب عن غيره من المتقدمين لتيسر سبل البحث والتحقيق، وسهولة الاطلاع على معظم مصادر السنة، وقد يقف على ما يراه قد غاب عن المتقدم، والواقع أن العالم المتقدم قد اطلع عليه، ولم يره صالحاً.
وقد يرجع ذلك إلى الاختلاف في بعض قواعد الجرح والتعديل، والتصحيح والتضعيف. كأن يرى أحدهم تحسين الحديث بتعدد الطرق، ولا يرى ذلك الآخر، وكاختلافهم في ضابط الحكم على الحديث بالشذوذ وغير ذلك.
وإذا كان حذاق هذا الفن، كالبخاري وابن المديني وأبي زرعة، وأبي حاتم قد اتفقوا على ضعف حديث، أو اتفق اثنان منهم على ذلك، أو على وجود الشذوذ أو العلة فيه، فإن تصحيح المتأخرين للحديث حينئذ يغلب عليه الخطأ.
وأمام هذا الاختلاف، فمن كان متقنا لهذا العلم، عارفا بدقائقه، فيمكنه أن يرجح بين الأقوال، سواء في أصول هذه المسائل، أو في تطبيقاتها العملية.
ومن لم يكن كذلك، فإنه يسعه أن يقلد عالماً موثوقاً عنده في هذا الفن، ولا شك أن المتقدمين أولى بالتقليد لقرب المنبع، وسعة الإطلاع، وقوة الإدراك، فما رجحوا صحته أو حسنه فيوثق بثبوته ومشروعية العمل به، وما لم يوجد ترجيح لحسنه أو صحته فهو يعتبر من أنواع الضعيف ولكنه من أعلى الضعيف.
كما قال صاحب طلعة الأنوار :
أعلى الضعيف ما دعوا مضعفا ما البعض وهاه وبعض خالفا
والله أعلم.