الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كنت أثناء طريقك من الدمام إلى ينبع سلكت طريقًا يمر على ميقات ذي الحليفة، فلا شيء عليك اتفاقًا, وكذلك إن كان طريقك الذي اتخذته يمر تحت الميقات، كالطريق المعروف للقادم عبر طريق القصيم والذي يمر بأبيار علي - ذي الحليفة - الذي هو الآن من المدينة؛ لا شيء عليك - على الراجح من كلام أهل العلم - سواءٌ قلنا متخطي الميقات يجب أن يرجع إلى ميقاته, أم قلنا يكفي إحرامه من أي ميقات آخر ولو أقرب إلى مكة؛ وذلك أنه ظاهرٌ من كلامك أنك قد قصدت ينبع أصالةً، أما مكة فقد جعلت قصدها بحسب الظروف، وأخذت زوجتك احتياطًا لتعتمر معك في حال إمكان ذلك بعد انتهاء العمل، فإن هذا عدم جزمٍ منك بأداء العمرة حين تخطيت الميقات - إن مررت به - إلى ينبع، فعليه لا إثم عليك ولا فدية؛ لأن الذي يَحرُم عليه تخطي ميقاته هو من تخطاه وهو عازم على العمرة بلا تردد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث المواقيت: هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ. رواه الشيخان وغيرهما.
قال النووي في شرح مسلم: فيه دلالة للمذهب الصحيح فيمن مر بالميقات لا يريد حجًا ولا عمرةً أنه لا يلزمه الإحرام.اهـ.
والمتردد في النية كغير المريد؛ ولذا قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - في لقاء الباب المفتوح: أما لو كان تجاوز الميقات وهو لا ينوي العمرة، أو متردد هل يعتمر أم لا ثم لما وصل إلى جدة أنشأ النية، فهذا يُحرِم من جدة ولا شيء عليه. اهـ.
أمّا ميقاتك بعد أن عزمت على العمرة وأنت في ينبع فهو الجحفة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق: وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ.
أمَا وقد أحرمت من ينبع - قبل الميقات - فإحرامك صحيح لا إشكال فيه، فإنك تجاوزت الميقات مُحرمًا، إلا أنك كلّفت نفسك تكبّد عناء الإحرام من قَبْل محل الإحرام، إذ بمجرد إحرامك وجب عليك اجتناب محظورات الإحرام كلها، وإن أحرمت من أقاصي الأرض.
جاء في المغني لابن قدامة: مسألة: قال: (والاختيار أن لا يحرم قبل ميقاته، فإن فعل فهو مُحرِم) لا خلاف في أن من أحرم قبل الميقات يصير مُحرمًا، تثبت في حقه أحكام الإحرام, قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن من أحرم قبل الميقات أنه محرم, ولكن الأفضل الإحرام من الميقات. انتهى.
لكن قد اختلف أهل العلم في الأفضل هل هو الإحرام من الميقات أم من بلده ودويرة أهله؟ وللشافعي في ذلك قولان، والراجح من تلك الأقوال أن الإحرام من الميقات أفضل، وهو قول جمهور العلماء من المالكية، والحنابلة، وهو المعتمد من قولي الشافعي عن الشافعية، واختاره ابن المنذر وابن قدامة وغيرهما؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحرم إلا من الميقات.
ولذلك قال ابن قدامة محتجًا لذلك: لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أحرموا من الميقات، ولا يفعلون إلا الأفضل. اهـ. وذهب الحنفية إلى أن الإحرام قبل الميقات أفضل إذا أمن على نفسه مخالفة أحكام الإحرام.
وعليه، فإما أن تكون قد أتيت بالأفضل على قول طائفة من أهل العلم المعتبرين، أو أن تكون أتيت بخلاف الأفضل، على ما رجحنا من مذهب الجمهور.
وعلى كلٍّ فإحرامك صحيح باتفاق العلماء، ولا إثم عليك ولا فدية.
والله أعلم.