الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك في خيرية التابعين على من بعدهم، ولكن عصر التابعين حدثت فيه الفتن، وظهرت الفرق وأصحاب الأهواء، وكان ذلك مبدأ ظهور وضع الحديث من أهل البدع والأهواء، فتعين التحري فيمن يؤخذ منه، وانتدب علماء التابعين وأتباعهم للتحقيق في ذلك متبعين أقصى وأحكم ما يمكن من وسائل البحث والفحص الصحيحة، كما قال ابن سيرين: لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة، قالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم. اهـ.
وروى مسلم في مقدمة صحيحه عن ابن عباس أنه قال: لما بلغه ما وضعه الرافضة من أهل الكوفة على علي بن أبي طالب ـ قاتلهم الله أي علم أفسدوا.
وجاء في مقدمة تحقيق تدريب الراوي: ولما كانت أوائل المائة الثانية في عصر أواسط التابعين وجد من الرواة من يروي المرسل والمنقطع ومن كثر خطؤه، وازداد ذلك في عصر صغار التابعين بعد الخمسين والمائة، وفيها كان كبار أتباع التابعين وظهرت الفرق.. وزاحمت الثقافات الأعجمية المعارف الشرعية، وظهر من يتعمد الكذب ترويجا لمذهبه وانتصارا لبدعته.. اضطر العلماء الجهابذة من علماء الجرح والتعديل إلى اتساع النظر والاجتهاد في التفتيش عن الرواة ونقد الأسانيد، فتكلم شعبة ومالك ومعمر وهشام الدستوائي، ثم ابن المبارك وهشيم وابن عيينة، ثم يحيى بن سعيد وتلامذته كعلي بن المديني ويحيى بن معين.. ومن علماء المائة الثالثة أحمد بن حنبل وطبقته وتلامذتهم من بعدهم كالبخاري ومسلم وأبي زرعة وابن أبي حاتم، ثم تلامذتهم كالترمذي والنسائي.. إلى آخر عصر الرواية، آخر المائة الثالثة. اهـ.
والله أعلم.