الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ وهذا لفظ البخاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء، ثم يقول أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم.
وقد اختلفت عبارات العلماء في معنى الفطرة، وإن كان مؤدى تلك العبارات متحدا أو متقاربا، قال النووي رحمه الله: والأصح أن معناه: أن كل مولود يولد متهيئاً للإسلام، فمن كان أبواه أو أحدهما مسلماً استمر على الإسلام في أحكام الآخرة والدنيا، وإن كان أبواه كافرين جرى عليه حكمهما في أحكام الدنيا. انتهى.
ونقل ابن حجر عن الطيبي، قال: والمراد تمكُّن الناس من الهدى في أصل الجبلة والتهيؤ لقبول الدين، فلو ترك المرء عليها لاستمر على لزومها ولم يفارقها إلى غيرها، لأن حسن هذا الدين ثابت في النفوس، وإنما يعدل عنه لآفة من الآفات البشرية كالتقليد. انتهى.
وأصل الفطرة، في اللغة بمعنى الخلق، وقال أبو البقاء: الفطرة: هي الصفة التي يتصف بها كل موجود في أول زمان خلقته.
وقد يراد بالفطرة جانب معين منها، وهو فطرية التدين، قال الفيروز آبادي: كلّ مولود يولدَ على الفِطْرة: أَى على الجبلَّة القابلة لدين الحقِّ. اهـ.
وقال المناوي في التعاريف: الفطرة الجبلة المتهيئة لقبول الدين، كذا عبر ابن الكمال، وقال الراغب: هي ما ركب الله في الإنسان من قوته على معرفة الإيمان، وقال الشريف: الخلقة التي جبل عليها الإنسان. اهـ.
وعلى ذلك، فكل مولود يخلق متهيئا لقبول الإسلام والحق، ومعلوم أن دين الأنبياء جميعا هو الإسلام، واختلافهم إنما هو في فروع الشرائع، قال تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ {آل عمران:19}.
والله أعلم.