الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهنيئًا لك بما منَّ الله به عليك من الإيمان, والخوف, والحفاظ على الصلاة.
واعلم أن أهل العلم ينصحون بالبعد عن تتبع الشبهات والاشتغال بها؛ فإن القلوب ضعيفة، وكان أئمة السلف - مع سعة علمهم - يعرضون عن سماع الشبهات، فقد أخرج عبد الرزاق في المصنف عن معمر قال: كنت عند ابن طاووس, وعنده ابن له, إذ أتاه رجل يقال له: صالح, يتكلم في القدر، فتكلم بشيء فتنبه، فأدخل ابن طاووس إصبعيه في أذنيه, وقال لابنه: أدخل أصابعك في أذنيك واشدد، فلا تسمع من قوله شيئًا، فإن القلب ضعيف.
وقال الإمام الذهبي: أكثر أئمة السلف على هذا التحذير، يرون أن القلوب ضعيفة، والشبه خطافة. اهـ.
ثم إن الأصل فيمن عرضت له شبهة أنه يجوز له سؤال أهل العلم عنها, كما قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: وإن أحدكم لن يزال بخير ما اتقى الله، وإذا شك في نفسه شيء سأل رجلًا، فشفاه منه. أخرجه البخاري.
ولو أنه أعرض عنها, ولم يبال بها لعلمه المجمل ببطلانها فقد أحسن، وما أجمل النصيحة التي قالها شيخ الإسلام ابن تيمية لتلميذه ابن القيم - وذكرها ابن القيم في كتابه مفتاح دار السعادة - حيث قال: قَالَ لي شيخ الإسلام ـ رضي الله عَنهُ ـ وَقد جعلت أورد عَلَيْهِ إيرادًا بعد إِيرَاد: لا تجعل قَلْبك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة؛ فيتشربها فَلَا ينضح إلا بهَا, وَلَكِن اجْعَلْهُ كالزجاجة المصمتة تمر الشُّبُهَات بظاهرها, وَلَا تَسْتَقِر فِيهَا, فيراها بصفائه, ويدفعها بصلابته، وَإِلَّا فإذا أشربت قَلْبك كل شُبْهَة تمر عَلَيْهَا صَار مقرًّا للشبهات. اهـ.
والله أعلم.