الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فطريقة التعاقد هذه شائعة، ومطردة بين الناس، وأساليب السائلين عنها مختلفة، ولعل خللًا في التعبير قد يحصل من البعض، فلا يكون السؤال منطبقًا على حقيقة ما يجري.
ونحن نقول: لهذا العقد وجهان: وجه به يوافق الشرع، ووجه به يخالفه، وهذا بيان ذلك:
أما وجه الموافقة، فهو: أن تتفقي مع الزبائن على سلعة موصوفة في الذمة، غير معينة، مقدور على تسليمها، مؤجلة بأجل معلوم، مسلّم ثمنها في مجلس العقد، فإذا حان الأجل، سلمتها، ولا مانع من أن تشتريها بما دفع لك الزبون، وهذا العقد من بيع السلم، وهو جائز، لا حرج فيه.
وأما وجه المخالفة، فهو: أن يتم العقد على بضاعة معينة، غير مملوكة للتاجر عند العقد، وإنما يشتريها بعدما عقد البيع، إذا استلم ثمنها، فهذا محرم؛ لأنه من بيع ما لا يملك، وقد روى أصحاب السنن، وصححه الألباني عن حكيم بن حزام -رضي الله عنه- أنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يأتيني الرجل يسألني من البيع ما ليس عندي، أبتاع له من السوق، ثم أبيعه، قال: "لا تبع ما ليس عندك".
قال في الفقه الإسلامي: وعلى أي حال، فقد اتفقت المذاهب الثمانية، وجميع الفقهاء، ومنهم: ابن حزم، وابن تيمية، وابن القيم، على أن بيع الإنسان ما لا يملك، لا يجوز؛ إما لأنه معدوم أثناء العقد، عند الأغلبية الساحقة، وإما لأنه غرر، عند الحنابلة.
أما قولك: هل عدم الجواز لعدم اتباع السنة فقط؟
إن كنت تقصدين بالسنة ما يقابل الواجب، بحيث لا تأثمين بهذه المعاملة، فليس الأمر كذلك، بل بيع ما لا يملك، حرام، ويأثم فاعله.
وأما ما سألت عنه من عكس الصورة: فكما لا يجوز لك أن تبيعي ما ليس عندك، لا يجوز لك أن تشتري من بائع يبيع ما ليس عنده، إلا إذا كان على وجه السلم، كما سبق. وراجعي الفتوى رقم: 128539.
والله أعلم.