الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أرشدنا القرآن المجيد إلى الطريقة المثلى في دعوة أهل الكتاب، والتي ينبغي التفريق فيها بين المنصف والمعاند، بين المسالم والظالم، ومن ذلك قوله تعالى: وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [العنكبوت: 46].
قال الطبري: إلا بالجميل من القول، وهو الدعاء إلى الله بآياته، والتنبيه على حُججه. اهـ.
وقال السعدي: ينهى تعالى عن مجادلة أهل الكتاب، إذا كانت من غير بصيرة من المجادل، أو بغير قاعدة مرضية، وأن لا يجادلوا إلا بالتي هي أحسن، بحسن خلق ولطف ولين كلام، ودعوة إلى الحق وتحسينه، ورد عن الباطل وتهجينه، بأقرب طريق موصل لذلك، وأن لا يكون القصد منها مجرد المجادلة والمغالبة وحب العلو، بل يكون القصد بيان الحق وهداية الخلق، إلا من ظلم من أهل الكتاب، بأن ظهر من قصده وحاله، أنه لا إرادة له في الحق، وإنما يجادل على وجه المشاغبة والمغالبة، فهذا لا فائدة في جداله، لأن المقصود منها ضائع. اهـ.
وذكر ابن كثير عند تفسير هذه الآية قوله تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ {النحل:125}. وقال تعالى لموسى وهارون حين بعثهما إلى فرعون: فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى {طه:44}.
وينبغي أن تفتتح دعوة أهل الكتاب بالتحاور في أصل الدين من توحيد الله تعالى، والإيمان بكتابه وبخاتم رسله صلى الله عليه وسلم، كما قال عز وجل: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران: 64]. ولما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذا إلى اليمن قال: إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله تعالى، فإذا عرفوا ذلك، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا صلوا فأخبرهم أن الله افترض عليهم زكاة في أموالهم تؤخذ من غنيهم فترد على فقيرهم، فإذا أقروا بذلك فخذ منهم وتوق كرائم أموال الناس. متفق عليه.
ولا يخفى أن المشاركة في المنتديات العامة يكون الأصل فيها: المجادلة بالحسنى، فإذا ظهر من أحدهم تنقص لديننا، أو تهكم بكتابنا، أو سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم، ومحاولة نسبة شيء من التناقض أو النقص إليها ظلما وزورا، فلا مانع من أن يؤتى له من كتابه المقدس عنده ما يهديه للحقيقة ويبصره بالصواب، وليكن ذلك أيضا بحكمة وأدب. فإن العاقل يكتفي بمجرد عرض مثل هذه النصوص المحرفة ولا يحتاج إلى تعليق ساخر عليها، وإنما يحتاج إلى التنبيه على أن هذا الكلام لا يليق أن ينسب لله تعالى !! ويراجع في بيان الأسس التي تبنى عليها دعوة النصارى إلى الإسلام الفتوى رقم: 100164.
ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 141821، 114663، 131280، 21363.
والله أعلم.