الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فقد سبق لنا أن أصدرنا فتوى فيما يفعله المصلي إذا كانت الصلاة تقام في المسجد قبل دخول الوقت، وهي برقم: 192729. والذي يمكننا قوله هنا هو أن الشرع علق دخول وقت الفجر بالرؤية البصرية وليس بحساب زاوية انخفاض الشمس تحت الأفق أو غيرها من الزوايا, وهذا أمر ميسور لكل الناس على اختلاف مستوياتهم الثقافية وبلدانهم, فالشريعة في تحديدها لوقت الفجر اعتبرت الضوء المشاهد بالعين المجردة والممتد في الأفق من الشمال إلى الجنوب, وذلك أن الصلاة فريضة عامة لكل الناس على اختلاف مستوياتهم وأماكن وجودهم, فتعليقها بما يمكنهم جميعا إدراكه ورؤيته هو الحكمة، وأما التشويش على ذلك بما يذكره الفلكيون ومن سار في ركبهم بضرورة مراعاة زاوية مفترضة للشمس تحت الأفق، فهذا مع ما فيه من الصعوبة فإنه لم تأت به الشريعة, وقد قال العلماء في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ. قالوا: عَلَّقَ الْحُكْمَ بِالصَّوْمِ وَغَيْره بِالرُّؤْيَةِ لِرَفْعِ الْحَرَجِ عَنْهُمْ فِي مُعَانَاةِ حِسَاب التَّسْيِير، وَاسْتَمَرَّ الْحُكْمُ فِي الصَّوْمِ وَلَوْ حَدَثَ بَعْدَهُمْ مَنْ يَعْرِفُ ذَلِكَ، بَلْ ظَاهِر السِّيَاقِ يُشْعِرُ بِنَفْيِ تَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِالْحِسَابِ أَصْلًا. وَيُوَضِّحُهُ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ. وَلَمْ يَقُلْ فَسَلُوا أَهْل الْحِسَاب، وَالْحِكْمَة فِيهِ كَوْنُ الْعَدَدَ عِنْدَ الْإِغْمَاءِ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُكَلَّفُونَ فَيَرْتَفِعُ الِاخْتِلَاف وَالنِّزَاع عَنْهُمْ، وَقَدْ ذَهَبَ قَوْم إِلَى الرُّجُوعِ إِلَى أَهْل التَّسْيِير فِي ذَلِكَ وَهُمْ الرَّوَافِضُ، وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ مُوَافَقَتُهُمْ. قَالَ الْبَاجِي: وَإِجْمَاع السَّلَف الصَّالِح حُجَّة عَلَيْهِمْ. وَقَالَ اِبْن بَزِيزَةَ: وَهُوَ مَذْهَبٌ بَاطِلٌ، فَقَدْ نَهَتْ الشَّرِيعَةُ عَنْ الْخَوْضِ فِي عِلْمِ النُّجُومِ؛ لِأَنَّهَا حَدْسٌ وَتَخْمِينٌ لَيْسَ فِيهَا قَطْعَ وَلَا ظَنٌّ غَالِب، مَعَ أَنَّهُ لَوْ اِرْتَبَطَ الْأَمْر بِهَا لَضَاقَ؛ إِذْ لَا يَعْرِفُهَا إِلَّا الْقَلِيل .. اهـ من فتح الباري للحافظ ابن حجر.
وعليه نقول: من رأى الفجر الصادق صلى، ومن لم يره لم يصل حتى يراه، أو يغلب على ظنه ظهوره؛ ومن أشكل عليه معرفة العلامات الشرعية للصلوات الخمس فليسأل أهل العلم الشرعي عن تلك العلامات.
والله تعالى أعلم