الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مجرد عزوف النفس، وبغضها لمن أساء إليها، دون غل في ذلك ولا حقد، لا شيء فيه، لأن انفعالات القلوب حبا وبغضا غرائز لا كسب للإنسان فيها، فلا يتعلق بها خطاب الشارع، إذ قد جبل الله القلوب سجية على بغض من أساء إليها، كما فطرها على حب من أحسن إليها.
قال أبو عمر: المحبة والبغضة لا يكاد المرء يغلب فيهما نفسه.
قال العراقي في طرح التثريب: الحب والبغض معان قلبية لا قدرة للإنسان على اكتسابها، ولا يملك التصرف فيها.
وقال ابن بطال: قال الطبرى: فإن قيل: فهل حب المرء اكتساب للعبد أم غريزة وجبلة؟ فإن قلت: إن ذلك اكتساب للعبد، إذا شاء أحب وإذا شاء أبغض، قيل: فما وجه الخبر الوارد: أن القلوب مجبولة على حب من أحسن إليها، وبغض من أساء إليها، وإن قلت: إن ذلك جبلة وغريزة، فما وجه قوله (صلى الله عليه وسلم) : لا يجد حلاوة الإيمان حتى يحب المرء لا يحبه إلا لله، فالجواب: أن الله تعالى، وإن كان هيأ القلوب هيئة لا يمتنع معها حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها، فإن العبد إنما يلحقه الحمد والذم على ما كلف مما له السبيل إليه من تذكيرها إحسان المحسن وإساءة المسىء إليها، وتنبيها على ما أغفلته من سالف أيادى المحسن إليها والمسىء. اهـ
لكن هذا البغض الفطري الذي بينا أنه لا تناله الأحكام، لا ينبغي أن يستسلم له الإنسان فيستأسر لمشاعر الكراهية حتى يحمله ذلك على ما له فيه كسب وتحكم من خيانة النفس، وإرادة الشر للناس، وإضمار الحقد والغل لهم فذلك من باطن الإثم .
وراجعي الفتوى رقم: 14710 .
ومهما كان من إساءة هذه المرأة إليك، فلا يشفي المتغيظ غيظه بمثل الصفح عن الزلات والمسامحة، فنحن نذكرك مثوبة العفو والصفح، فما عند الله تعالى خير للعبد وأبقى والذكرى تنفع المؤمن، وراجعي الفتوى رقم: 114087 .
والله أعلم.