الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن كنت رميت الجمرات أيام التشريق بعد الفجر، تقليدا منك لمن يرى جواز ذلك من أهل العلم، وليس لمجرد اتباع الأسهل، فإن رميك صحيح، ولا يلزمك شيء, والعامي مذهبه مذهب من أفتاه، وأما إذا كنت رميت الجمرات بعد الفجر من غير تقليد لأهل العلم وأخذت بهذا القول لمجرد تتبع الرخص، فإن رميك غير صحيح، ويلزمك دم لفوات واجب من واجبات الحج.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى عن رجلين وامرأتين رموا الجمار في اليوم الثاني عشر بعد صلاة الفجر، وقالوا: بأنا أُفتينا بجواز ذلك، فما رأيكم ؟ فأجاب بقوله رحمه الله تعالى: .... الذي يرمي قبل الزوال مستنداً إلى شخصٍ يثق بعلمه فليس عليه شيء؛ لأن هذا هو الذي كلف به. فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43]، أما إذا كان قصده تتبع الرخص فعليه الإثم والفدية؛ تذبح في مكة وتوزع على الفقراء، والذي يبدو -والله أعلم- أن مثل هؤلاء يقصدون تتبع الرخص؛ لأن من العلماء من هو أعلم من الذي أفتاهم يقول: لا يجوز، ولا يمكن أن تكون الأمة كلها إلا واحد أو اثنين، عطاء بن أبي رباح، والثاني، والثالث، تجمع على أنه لا يجوز قبل الزوال ونتبع واحداً من ملايين الملايين. المهم إذا كان قصدهم تتبع الرخص فعليهم الفدية مع الإثم والتوبة إلى الله عز وجل، وإن كان لا يثقون بعلمه ويقولون: هذا عالم موثوق فليس عليهم شيء. اهــ مختصرا .
ووقت الرمي أيام التشريق يبدأ بزوال الشمس، ولا يصح الرمي قبله في قول أكثر أهل العلم.
جاء في الموسوعة الفقهية: يَبْدَأُ وَقْتُ الرَّمْيِ فِي الْيَوْمِ الأْوَّل وَالثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بَعْدَ الزَّوَال، وَلاَ يَجُوزُ الرَّمْيُ فِيهِمَا قَبْل الزَّوَال عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، وَمِنْهُمُ الأْئِمَّةُ الأْرْبَعَةُ عَلَى الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ الظَّاهِرَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ, وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الأْفْضَل أَنْ يَرْمِيَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ - أَيْ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ - بَعْدَ الزَّوَال فَإِنْ رَمَى قَبْلَهُ جَازَ، وَهُوَ قَوْل بَعْضِ الْحَنَابِلَةِ ... اسْتَدَل الْجُمْهُورُ بِفِعْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ, فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَال: كُنَّا نَتَحَيَّنُ، فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ رَمَيْنَا, وَعَنْ جَابِرٍ قَال: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَى الْجَمْرَةَ يَوْمَ النَّحْرِ ضُحًى، وَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ, وَهَذَا بَابٌ لاَ يُعْرَفُ بِالْقِيَاسِ، بَل بِالتَّوْقِيتِ مِنَ الشَّارِعِ، فَلاَ يَجُوزُ الْعُدُول عَنْهُ. وَاسْتُدِل لِلرِّوَايَةِ بِجَوَازِ الرَّمْيِ قَبْل الزَّوَال بِقِيَاسِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ عَلَى يَوْمِ النَّحْرِ ؛ لأِنَّ الْكُل أَيَّامُ نَحْرٍ ، وَيَكُونُ فِعْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَحْمُولاً عَلَى السُّنِّيَّةِ, وَاسْتُدِل لِجَوَازِ الرَّمْيِ ثَانِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ قَبْل الزَّوَال لِمَنْ كَانَ مِنْ قَصْدِهِ النَّفْرُ إِلَى مَكَّةَ بِمَا ذَكَرُوا أَنَّهُ لِرَفْعِ الْحَرَجِ عَنْهُ؛ لأِنَّهُ لاَ يَصِل إِلاَّ بِاللَّيْل، وَقَدْ قَوَّى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ هَذِهِ الرِّوَايَةَ تَوْفِيقًا بَيْنَ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ, وَالأْخْذُ بِهَذَا مُنَاسِبٌ لِمَنْ خَشِيَ الزِّحَامَ وَدَعَتْهُ إِلَيْهِ الْحَاجَةُ، لاَ سِيَّمَا فِي زَمَنِنَا ... اهــ.
وبخصوص مبيتك بجوار الجمرات، فإن المبيت بمنى أيام التشريق أكثر الليل واجب كما هو معلوم, وليس كل الجمرات داخل حدود منى، فجمرة العقبة ليست من منى بل خارجها.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: ويجب أن يتأكد من حدود منى حتى لا يبيت خارجاً عنها، وحدها من الشرق وادي محسر، ومن الغرب جمرة العقبة، وليس الوادي والجمرة من منى. أما الجبال المحيطة بمنى فإن وجوهها مما يلي منى منها فيجوز المبيت بها، وليحذر الحاج من المبيت في وادي محسر أو من وراء جمرة العقبة، لأن ذلك خارج عن حدود منى، فمن بات به لم يجزئه المبيت ... اهــ.
فإذا كنت قد قضيت الليل خارج حدود منى – مع إمكانية المبيت بها - لزمك دم أيضا لفوات واجب. وراجع للفائدة فتوانا رقم: 168079.
والله تعالى أعلم