الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا نعلم أحدا من علماء الحديث المعاصرين قال بهذا. ومما لا يحتاج إلى تنبيه أن العلماء السابقين لم يتعرضوا لهذا البحث أصلا !!
وعلى أية حال، فتصحيح الحديث ليس معناه مجرد تصحيح معناه أو مدلوله، بل معناه تصحيح نسبته للنبي صلى الله عليه وسلم، وهذا أمر زائد على مجرد صحة المعنى. فالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم تضفي عليه صبغة الحق المطلق أو العصمة، فعن عبد الله بن عمرو قال:كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه، فنهتني قريش وقالوا: أتكتب كل شيء تسمعه ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشر يتكلم في الغضب والرضا. فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأومأ بأصبعه إلى فيه، فقال: اكتب، فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق. رواه أبو داود وأحمد والدارمي، وصححه الألباني. ومصداق ذلك في كتاب الله تعالى قوله عز وجل: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) [النجم] وراجع الفتويين: 67188، 17569.
وإذا تقرر أن صحة الكلام وموافقته للواقع أو للصواب لا تعني بالضرورة صحة نسبته للنبي صلى الله عليه وسلم، تقرر خطأ مسلك من يصحح الحديث الضعيف لكون القرائن العلمية تشهد له !! والذي يمكن في هذه الحال هو إثبات صحة المعنى بتصحيح المتن، مع إثبات ضعف نسبة الكلام للنبي صلى الله عليه وسلم بتضعيف السند، كما قال الشيخ ابن عثيمين في (لقاء الباب المفتوح): الحديث الضعيف إذا كان لا يخالف حديثاً صحيحاً وشهد الواقع له بالصحة، يقال: هذا ضعيف سنداً صحيح متناً، لكن بشرط أن يشهد له؛ لأن بعض الناس قد يظن أن هذا الحديث أو هذه الآية تدل على هذا المعنى وهي لا تدل عليه ... اهـ.
وثَمَّ تنبيه آخر، وهو أن هنالك حقائق علمية كونية قطعية، كما أن هنالك نظريات في العلم ظنية في ثبوتها، وكذلك النصوص الشرعية منها الظني في دلالته ومنها القطعي. ويجب أن ينزه القرآن والسنة النبوية عن الظنون والأوهام، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 75731. ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتويين: 28373، 43698.
والله أعلم.