الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقيمة النقود الورقية التي يتعامل بها في أقطار الدنيا وإن لم تكن في نفس الورق أولم تكن لتغطيتها بالذهب، ناشئة من خارجها وهو إلزام الحكومات للناس بالتعامل بها وقبولها، وترتب على ذلك أنها صارت ثمنا للأشياء، وحاملها قبل إبطال التعامل بها ليس كمن يحمل شيكا بلا رصيد، بل هو حامل لما له قيمة معتبرة، وتطمئن النفوس بتموله وادخاره، ويحصل الوفاء والإبراء العام به، وتغير قيمة الأوراق النقدية لا يؤثر في ثمنيتها، وقد قال الكاساني في بدائع الصنائع: ولا يلتفت إلى القيمة ههنا، لأن الرخص أو الغلاء لا يوجب بطلان الثمنية، ألا ترى أن الدراهم قد ترخص وقد تغلو وهي على حالها أثمان. انتهى.
وأما ما ذكرته من تغير قيمة هذه النقود الورقية، وانخفاض قيمتها لأسباب سياسية أوغيرها فإن ذلك، لا يمنع التعامل بها، جاء في قرار هيئة كبار العلماء رقم 10 وتاريخ 16/4/1393هـ ما ملخصه: النقد هو كل شيء يجري اعتباره في العادة أو الاصطلاح، بحيث يلقى قبولاً عاماً كوسيط للتبادل، كما أشار إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، وذكر نحو ذلك الإمام مالك حيث قال: ولو أن الناس أجازوا بينهم الجلود حتى يكون لها سكة وعين لكرهتها أن تباع بالذهب والورق نظرة، وحيث إن الورق النقدي يلقى قبولاً عاماً في التداول، ويحمل خصائص الأثمان من كونه مقياساً للقيم ومستودعاً للثروة، وبه الإبراء العام.. وحيث ظهر أن الغطاء لا يلزم أن يكون شاملاً لجميع الأوراق النقدية، بل يجوز في عرف جهات الإصدار أن يكون جزء من عملتها بدون غطاء، وأن الغطاء لا يلزم أن يكون ذهباً، بل يجوز أن يكون من أمور عدة كالذهب والعملات الورقية القوية وأن الفضة ليست غطاء كلياً أو جزئياً لأي عملة في العالم، كما اتضح أن مقومات الورقة النقدية قوة وضعفاً مستمدة مما تكون عليه حكومتها من حال اقتصادية، فتقوى الورقة بقوة دولتها وتضعف بضعفها، وحيث إن القول باعتبار مطلق الثمنية علة في جريان الربا في النقدين هو الأظهر دليلا والأقرب إلى مقاصد الشريعة، وحيث إن الثمنية متحققة بوضوح في الأوراق النقدية لذلك كله فإن هيئة كبار العلماء تقرر بأكثريتها: أن الورق النقدي يعتبر نقداً قائماً بذاته كقيام النقدية في الذهب والفضة وغيرها من الأثمان...
ومشكلة تغير قيمة النقد أو ما يسمى بالتضخم يعتبر من أبرز المشكلات الاقتصادية المعاصرة التي تمس الفرد والجماعة في أغلب دول العالم، كما قال الدكتور نزيه حماد في كلمة له أمام أعضاء مجمع الفقه الإسلامي حول أحكام النقود واستبدال العملات وهي منشورة في مجلة مجمع الفقه ويمكنك الاطلاع عليها وعلى غيرها من أبحاث أعضاء المجمع القيمة، ولذلك التضخم آثار سلبية في مجالات شتى ومنها على سبيل المثال لا الحصر ما ذكرته في سؤلك ونحوه، يقول الدكتور نزيه حماد: فكثيرًا ما يقرض المرء لغيره مبلغًا من المال إلى أجل معين، رفقا به، ومعونة له، ودفعا لحاجته، وتفريجا لكربته، فإذا ما حل أجل الوفاء وجد المقرض أن هذا المبلغ الذي عاد إليه أقل أو أكثر بقليل أو كثير من المبلغ الذي دفعه له قرضا، من حيث قوته الشرائية، أو من حيث قيمته بالنسبة إلى الذهب، أو بالنسبة إلى العملات الأخرى يوم أقرضه، وإن كان مماثلاً له في الكم والعدد، وكثيرًا ما يشتري التاجر بضاعة بنقد محدد مؤجل الوفاء إلى أمد متفق عليه، وعندما يحل الأجل ويحين وقت الأداء يجد كل واحد من المتبايعين أن المبلغ المتفق عليه قد اختلف حاله، من حيث القوة الشرائية، أو من حيث القيمة بالنسبة إلى الذهب، أو بالنسبة إلى العملات الأخرى عن الوضع الذي كان عليه وقت وجوبه في الذمة بالعقد، هذه بعض صور القضية، وللقضية تعلقات شائكة، وآثار خطيرة، وأبعاد كثيرة لا تكاد تحصى، وإنها لتمس الفرد والمجتمع والدولة في مجالات مختلفة وجوانب شتى.
لكن العلماء بحثوا آثار تلك المشكلة وما يترتب عليها في حال كساد العملة وتغير قيمتها أو إبطال العمل بها، ويمكنك مراجعة أبحاث مجمع الفقه المنشورة بمجلته ففيها إفاضة وتفصيل، وللفائدة انظر الفتويين رقم: 65860، ورقم: 20224.
والله أعلم.