الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فاعلم أخي السائل أولا أن قتل النفس من غير مبرر شرعي يعتبر من أكبر الكبائر وأشد الموبقات وأهلك المهلكات, ولو قلّبت المصحف الشريف من أوله إلى آخره فلن تجد ذنبا بعد الشرك أعظم من ذنب القتل، وتأمل قول الله تعالى: وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا { النساء: 93}.
فالقاتل في هذه الآية متوعد بالخلود في النار والغضب من الجبار واللعنة والعذاب العظيم فاتق الله أخي السائل ولا تضيق على نفسك بالوقوع في جريمة القتل، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا. رواه البخاري.
والمعنى أن المؤمن يكون في سعة ما دامت ذنوبه لم تصل إلى القتل فيقع في الذنب ويتوب وتغلب حسناته سيئاته، وأما إذا سفك الدم الحرام فإن الأمر يضيق عليه ولن تفي حسناته بتلك السيئة ـ والعياذ بالله ـ وهذا كما قال ابن عمر: إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله. اهـ.
فاحذر أخي السائل من الإقدام على قتل ذلك الرجل, ولا شك أن ما قام به من الخوض في عرضك أمر محرم ومن كبائر الذنوب أيضا، فإن قذف الأنفس المحصنات من السبع الموبقات -كما صح بذلك الحديث- ولكن ليس علاجه الشرعي في القتل، وإنما بإقامة حد القذف عليه، فإن تمكنت من إقامة البينة عليه ورفع أمره إلى القضاء الشرعي ـ ولا بد من عدلين في الشهادة هنا ـ فلك ذلك ويقام عليه حد القذف وفي إقامته كف لشره وفضيحته وشفاء لما في صدرك عليه.
وأما حلفك للشاهد بأن لا تخبر أحدا: فإن هذه اليمين لا يحرم عليك الحنث فيها ولا يلزمك الوفاء بها ما دام في ذلك أذى يلحقك, والله حث على حفظ اليمين إذا لم يكن في حفظها حرج ولا ضرر، قال الطاهر بن عاشور في قوله تعالى: واحفظوا أيمانكم: فأمر بتوخّي البرّ إذا لم يكن فيه حرج ولا ضُرّ بالغير...اهــ.
وما دام في كتم تلك الشهادة إضرار بك وحرج عليك فلا يلزمك حفظها وكتمها, ويجب على الشاهد إذا دعي للشهادة أن يؤديها، لقول الله تعالى: وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ {البقرة:283}.
وتلزمك كفارة يمين عند إخبار المحكمة الشرعية بتلك الشهادة، وإن تعذر رفع الأمر إلى القضاء فلا مناص من الصبر فإن هذا من البلاء الذي يختبر الله به عباده ولك أسوة في سيد الخلق وإمام المرسلين صلى الله عليه وسلم فقد تكلم المنافقون في عرضه الشريف حتى جاء الفرج من الله تعالى وأظهر براءة عرضه وفضح من تكلم فيه, ولك أن تهدده أوتخيفه عله يكف لسانه وينزجر.
والله أعلم.