الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا يحكم بإسلام أحد بمجرد الإيمان بالقرآن أو برسالة النبي صلى الله عليه وسلم دون النطق بالشهادتين أوالصلاة التي تتضمنهما، وعليه فالشخص المذكور إذا لم ينطق الشهادتين لا يحكم بإسلامه، فإن صلى فهو مسلم حكما بحيث تجري عليه أحكام الإسلام الظاهرة، هذا ما قاله كثير من أهل العلم، واشترط آخرون أن يسمع تشهده, قال في الروض المربع معلقا على قول صاحب زاد المستقنع: فإن صلى فمسلم حكما ـ فإن صلى الكافر على اختلاف أنواعه في دار الإسلام أو الحرب, جماعة أو منفردا, بمسجد أو غيره فمسلم حكما، فلو مات عقب الصلاة فتركته لأقاربه المسلمين ويغسل ويصلى عليه ويدفن في مقابرنا. انتهى.
وفي الشرح الممتع للشيخ محمد بن صالح العثيمين عند قول المؤلف: فإن صلَّى فمسلمٌ حُكْماً ـ أي: إذا صلَّى الكافر فإننا نحكم بإسلامه، ولكنَّه مسلم حُكْماً لا حقيقة. انتهى.
وفي حاشية الدسوقي على الشرح الكبيرعلى مختصر خليل في الفقه المالكي: سُئِلَ مَالِكٌ عن الْأَعْجَمِيِّ يُقَالُ له صَلِّ فَيُصَلِّي ثُمَّ يَمُوتُ هل يُصَلَّى عليه؟ قال نعم، ما نَصُّهُ هو كما قال، لِأَنَّ من صلى فَقَدْ أَسْلَمَ، قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم: من صلى صَلَاتَنَا وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الذي له ذِمَّةُ اللَّهِ، وَمَنْ أَبَى فَهُوَ كَافِرٌ وَعَلَيْهِ الْجِزْيَةُ. انتهى.
وبهذا يعلم أنه يحكم على الشخص المذكور بالإسلام، ظاهرا بمجرد صلاته، لكن عليه أن ينطق الشهادتين مع العمل بمقتضاهما، ليكون مسلما حقيقة، ففي مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز ـ رحمه الله تعالى ـ جوابا لسؤال جاء فيه: النطق بالشهادة لا شك أنه لا بد معه من التصديق, فما هو؟ الجواب: أولا لا بد من النطق بالشهادتين, فلو أمكنه النطق ولكنه امتنع من النطق لم يدخل في الإسلام حتى ينطق بالشهادتين, وهذا محل إجماع من أهل العلم, ثم مع النطق لا بد من اعتقاد معنى الشهادتين والصدق في ذلك, وذلك بأن يعتقد بأنه لا معبود حق إلا الله, ولو قالها كاذبا كالمنافقين يقولونها وهم يعتقدون أن مع الله آلهة أخرى لم تنفعهم هذه الكلمة ولم يدخلوا في الإسلام باطنا, كما قال تعالى: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ـ وقال عز وجل: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ـ فلا بد من التصديق بالقلب واليقين بأنه لا معبود حق إلا الله, فإن استكبر عن الانقياد لشرع الله كفر ولم ينفعه النطق بالشهادتين، قال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ـ وقال سبحانه: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ـ وهكذا لو استكبر عن الشهادة بأن محمدا رسول الله, أو قالها كاذبا فإنه يكون كافرا حتى يؤمن بأن محمدا رسول الله, وينقاد لشرعه, وهذا أمر مجمع عليه بين أهل العلم، والله المستعان. انتهى.
وقد سبق بيان ذلك في عدة فتاوى سابقة، منها الفتاويين رقم: 55196، 137904.
والله أعلم.