الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحق وسط بين طرفين، ومن ذلك موقف المسلم من أهل العلم في أي عصر كان، فلا نغلو فيهم فنرفعهم فوق أقدارهم وننسب لهم العصمة، ولا نجفو عنهم فنحط من أقدارهم ونسوي بينهم وبين عموم الناس.
وكذلك الحال مع مذاهبهم وقواعدهم، لا نرد بها النصوص فنُفْرِط، ولا نلغيها بالكلية فنفَرِّط. فلا يجوز أن يُردَّ الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم لقول أحد كائنا من كان، ولا يجوز أن نسيء الأدب مع أهل العلم ونتهمهم ونقع في أعراضهم. فأقوالهم لا تخرج عن اجتهادات في فهم الشريعة وأدلتها. وقد سبق لنا في الفتوى رقم: 6787 بيان فوائد معرفة أقوالهم وأسباب اختلافهم وموقفنا من ذلك. كما سبق لنا بيان أنه لا تعارض بين الدعوة إلى مذهب السلف وبين العمل بمذاهبهم، وذلك في الفتوى رقم: 31966. ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتوى رقم: 2397.
وأما ما يتعلق بالسلفية فراجع فيه الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 5608، 39218، 117313.
ومما ينبغي لفت النظر إليه هنا: أن مثل هذا المنهج ـ الذي يجمع صاحبه بين التهجم على السلفية والعودة إلى الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، وبين الطعن في أهل العلم وأصحاب المذاهب المتبَعة ـ لا يُبقي لصاحبه ولا لمن تبعه أصلا يُرجع إليه، إلا فهمه الخاص واجتهاده الشخصي، ولا يخفى ما في هذا من العبث والنزق والاعتماد على غير عمدة، وفتح باب التفرق والتخبط والتحير على عامة الناس. فيجب الحذر من هذا الانحراف وعدم الانسياق وراء دعاته. وقد سبق لنا بيان كيفية التعامل مع مثل هذه الحال التي يكثر فيها من يتكلمون في أمور الدين وحملة الشريعة عن علم وعن غير علم، فراجع الفتوى رقم: 4402.
والله أعلم.