الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما لماذا قدر الله ما العباد عاملون؟ فسؤال لا ينبغي، لأنه يستحيل ضد هذا، فإن الرب تعالى بكل شيء عليم وهو سبحانه على كل شيء قدير، ومن الممتنع أن يقدر العبد على ما لم يقدره الله تعالى عليه، قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله: وَالْقَدَرُ يَتَعَلَّقُ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: الْقَدَرُ قُدْرَةُ اللَّهِ تَعَالَى ـ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ مَنْ أَنْكَرَ الْقَدَرَ فَقَدْ أَنْكَرَ قُدْرَةَ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إِثْبَاتَ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. انتهى.
فيمتنع أن يكون شيء في هذا الوجود إلا وهو كائن بعلم الرب تعالى ومشيئته، وهو الخالق لكل ما في هذا الكون، قال شيخ الإسلام رحمه الله: وَالله تَعَالَى خَالق كل شَيْء لَا يكون فِي ملكه إِلَّا مَا يَشَاء، وَالْقدر حق لَكِن فهم الْقُرْآن وَوضع كل شَيْء مَوْضِعه وَبَيَان حِكْمَة الرب وعدله مَعَ الإيمان بِالْقدرِ هُوَ طَرِيق الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ لَهُم بِإِحْسَان. انتهى.
وإذا تقرر هذا، فإن العبد مأمور بأن يسعى في جلب مصالحه الدينية والدنيوية، فسعيه لتطوير نفسه والرقي بها وتنمية مهاراته هو مما شرعه له الله عز وجل، فإنه تعالى يحب معالي الأمور وأشرافها ويكره سفسافها، ولا يتعارض هذا مع إيمان العبد بأنه لا يكون إلا ما قدره الله، فإنه لا علم لأحد بما سبق به قدر الله تعالى، فهو يأخذ بالأسباب المشروعة جلبا للمصالح ودفعا للمفاسد، راجيا من الله أن ييسره لما فيه مصلحته وسعادته في دنياه وأخراه، عالما مع هذا كله أنه لن يكون إلا ما قدره وقضاه، وتنظر للأهمية للفائدة حول نفي التعارض بين الأخذ بالأسباب والإيمان بالقدر الفتوى رقم: 168661.
والله أعلم.