الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من أولى أولويات الحاكم المسلم أن يحفظ للأمة أمر دينها، ويأخذ على يد المفسدين، قال الماوردي في كتابه الأحكام السلطانية وهو يعدد واجبات الراعي تجاه رعيته: والذي يلزمه من الأمور العامة عشرة أشياء: أحدها: حفظ الدين على أصوله المستقرة وما أجمع عليه سلف الأمة، فإن نجم مبتدع أو زاغ ذو شبهة عنه أوضح له الحجة وبين له الصواب وأخذه بما يلزمه من الحقوق والحدود، ليكون الدين محروسا من خلل والأمة ممنوعة من زلل. اهـ.
والتبرج أمره خطير وضرره كبير، ولا يقتصر ضرره على صاحبته، وإنما يتعداها إلى غيرها، والواقع خير مثال على ذلك، وقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي سعيدٍ الخُدْري ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانِه، فإن لم يستطع فبقلبِه، وذلك أضعفُ الإيمان.
قال الشيخ ابن باز في فتاويه تعليقا على هذا الحديث: فالإنكار يكون باليد في حق من استطاع ذلك كولاة الأمور والهيئة المختصة بذلك، فيما جعل إليها، وأهل الحسبة فيما جعل إليهم، والأمير فيما جعل إليه، والقاضي فيما جعل إليه، والإنسان في بيته مع أولاده وأهل بيته فيما يستطيع. اهـ.
وقال الشيخ ابن عثيمين كما في لقاء الباب المفتوح: التغيير باليد لا يمكن إلا من ذي السلطان، يعني الأمير أو نوابه الذين جعلهم قائمين مقامه، لا من أفراد الناس، خصوصاً في عصرنا هذا، لأنه قد يظن الفرد منا أن هذا منكر وليس بمنكر، فيغيره بيده ويحصل في هذا مفاسد عظيمة، إذاً التغيير باليد الآن هذا لا يمكن، هذا للحكام. اهـ.
والحجاب فريضة أصلا، ولكن على الحاكم أن يحمل النساء المسلمات عليه ويلزمهن به، وكذلك غير المسلمات، فإن نساء أهل الذمة يطالبن بستر عوراتهن وترك التبرج ويجبرن على ذلك, جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: الذمية الحرة عورتها كعورة المسلمة الحرة، حيث لم يفرق الفقهاء في إطلاقهم للحرة بين المسلمة وغيرها، كما أنهم لم يفرقوا بين عورة الرجل المسلم والكافر، وهذا يقتضي تحريم النظر إلى عورة الذمي رجلا كان أو أنثى، وعلى ذلك يجب على الذمية ستر عورتها والامتناع عن التبرج المثير للفتنة، درءا للفساد ومحافظة على الآداب العامة. اهـ.
والله أعلم.