الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فاعلم أولا أن العلماء مختلفون في المفقود متى يحكم بموته ويستحق ورثته تركته؟ فمنهم من قال ينتظر به إلى أن يكمل له تسعون سنة من حين ولادته إذا كان في سفر الغالب عليه السلامة كما هو الشأن في سفر أبيك، ومنهم من قال بغير ذلك والذي رجحه الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ أن الأمر مرده إلى الاجتهاد، فمتى غلب على ظن الحاكم أن هذا الشخص مات فإنه يحكم بموته قال رحمه الله: ما ورد عن الصحابة قضايا أعيان، وقضايا الأعيان ليست توقيفية، لأن قضايا الأعيان يعني أننا ننظر إلى كل مسألة بعينها، وإذا كان قضايا أعيان فهو اجتهاد، فالقول الراجح في هذه المسألة أنه يرجع فيه إلى اجتهاد الإمام، أو من ينيبه الإمام في القضاء، والناس يختلفون، من الناس مَنْ إذا مضى سنة واحدة عرفنا أنه ميت، لأنه رجل شهير في أي مكان ينزل يُعرف، فإذا فُقِدَ يكفي أن نطلبه في سنة، ومن الناس من هو من العامة يدخل مع الناس، ولا يعلم عنه إن اختفى لم يفقد، وإن بان لم يؤبه به، هل نقول: إننا ننتظر في هذا الرجل كما انتظرنا في الأول؟ لا، لأن هذا يحتاج إلى أن نتحرى فيه أكثر، لأنه إنسان مغمور ليس له قيمة في المجتمع، فننتظر أكثر، ثم إذا غلب على الظن أنه ميت حكمنا بموته. انتهى.
وبهذا التقرير تعلم أن رجوعكم إلى هذه المحكمة لتفصل في القضية ليس محرما، إذ الأمر مرده إلى اجتهاد الحاكم وما يغلب على ظنه، فإذا كانت المحكمة قد بنت حكمها بموته وقسمة ماله بين ورثته على التحري والنظر في القرائن فلا حرج عليكم في أخذ المال, وإذا رجع بعد ذلك وظهر أنه حي فإنه يرجع على الورثة بما أخذوه في قول المالكية والشافعية, وعند الحنابلة يأخذ ما وجده بأيديهم دون ما أنفقوه، وأما إذا بنت حكمها جزافا ولم تراع القرائن والأحوال فلا ينبغي لكم التصرف في المال حتى تتبين وفاته ببينة أو يحكم بها عن اجتهاد وتحر من قبل المحكمة.
والله أعلم.