الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالظاهر أنه لا بأس بدعوة الناس لولائم الأعراس بالمساجد ما لم تشوش على المصلين، لأنها من المعروف وليست مما ورد النهي عنه في المسجد مثل إنشاد الضالة ونحو ذلك، أما ما يؤدي للتشويش على المصلين فإنه لا يشرع في المسجد ولو كان ذكرا، أو قراءة، ففي شرح زاد المستقنع للشيخ محمد الشنقيطي: هل تجوز الدعوة إلى الوليمة، أو المناسبة في داخل المسجد؟ الجواب: رخص فيها بعض أهل العلم وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم عقد النكاح في داخل المسجد، ففي الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه زوج الواهبة نفسها داخل المسجد، فقالوا: إن في النكاح معنى التعبد، أي: العبادة، فليس هو مثل البيع الذي يحرم أن يعامل به، لأن في النكاح شيئاً من التعبد، ودعوة الناس إليه دعوة إلى المحبة والإلف، وتحقيق مقاصد الشريعة، ففيه وجه في الإذن به، ومن أهل العلم من منع الإجابة، وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: إذا سمعتم الرجل ينشد ضالته في المسجد، فقولوا: لا ردها الله عليك، فإن المساجد لم تبنَ لذلك ـ قالوا: إن جملة: إن المساجد لم تبنَ لذلك ـ تعليلية، كقوله عليه الصلاة والسلام: اغسلوه بالماء والسدر وكفنوه في ثوبيه، ولا تمسوه طيباً ولا تحنطوه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً ـ فدل على أنه منع نشد الضالة، لأن المساجد بنيت للعبادة، والنكاح ليس بعبادة، والدعوة إلى الأكل ليست بذاتها عبادة في أصلها، فمنعوا من هذا، وإذا احتيط فهو أقرب، لكن إذا جرى العرف في موضع وعملوا بما رخص، فلا ينكر عليهم، ولا يشدد عليهم. انتهى.
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين: الكلام في المسجد ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أن يكون فيه تشويش على المصلين والقارئين والدارسين فهذا لا يجوز وليس لأحد أن يفعل ما يشوش على المصلين والقارئين والدارسين.
القسم الثاني: أن لا يكون فيه تشويش على أحد فهذا إن كان في أمور الخير فهو خير، وإن كان في أمور الدنيا فإن منه ما هو ممنوع ومنه ما هو جائز، فمن الممنوع البيع والشراء والإجارة فلا يجوز للإنسان أن يبيع، أو يشتري في المسجد، أو يستأجر، أو يؤجر في المسجد، وكذلك إنشاد الضالة، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: إذا سمعتم من ينشد الضالة فقولوا لا ردها الله عليك، فإن المساجد لم تبن لهذا ـ ومن الجائز أن يتحدث الناس في أمور الدنيا بالحديث الصدق الذي ليس فيه شيء محرم. انتهى.
والله أعلم.