الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم يتضح لنا مقصود السائل الكريم بقوله: الصحوبية، فإن كان قصده مصاحبة النساء الأجنبيات فإن على المسلم أن يبتعد عن مصاحبتهن لما في الصحيحين وغيرهما عن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء. وقال صلى الله عليه وسلم قال : إياكم والدخول على النساء.. الحديث متفق عليه، وقال صلى الله عليه وسلم: لا يخلون رجل بامرأة... الحديث متفق عليه.
فإذا كان الشخص يظهر الالتزام ويصاحب الصالحين ويعمل بأعمالهم.. وهو مع ذلك يخلو بالأجنبيات ويصاحبهن ويدخل عليهن عند ما يجد فرصة أو يكون بعيدا عن أعين الناس فإنه داخل في الوعيد الوارد في الحديث المشار إليه، فهو يستحيي من الناس ولا يستحيي من الله وهذا شأن المرائين والمنافقين الذين قال الله فيهم : يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (النساء: 108). أما من يستزله الشيطان ويفعل شيئا من ذلك في لحظة ضعف أو غفلة أو غلبة شهوة وهو كاره للمعصية فينكسر ويندم عليها ويتوب منها فليس داخلا في الحديث لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون. كما جاء في الحديث.
يقول الشيخ محمد بن محمد المختار أحمد مزيد الشنقيطي في شرح زاد المستقنع عند كلامه عن الحديث المشار إليه يقول: أي أن عند هؤلاء استهتاراً واستخفافاً بالله عز وجل، فهناك فرق بين المعصية التي تأتي مع الانكسار، والمعصية التي تأتي بغير انكسار، بين شخص يعصي الله في ستر، وبين شخص عنده جرأة على الله عز وجل، فصارت حسناته في العلانية أشبه بالرياء وإن كانت أمثال الجبال، فإذا كان بين الصالحين أَحْسَنَ أيما إحسانٍ؛ لأنه يرجو الناس ولا يرجو الله، فيأتي بحسنات كأمثال الجبال، فظاهرها حسنات، (لكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها) فهم في السر لا يرجون لله وقاراً، ولا يخافون من الله سبحانه وتعالى، بخلاف من يفعل المعصية في السر وقلبه منكسر، ويكره هذه المعصية، ويمقتها ويرزقه الله الندم، فالشخص الذي يفعل المعصية في السر، وعنده الندم والحرقة ويتألم، فهذا ليس ممن ينتهك محارم الله عز وجل؛ لأنه -في الأصل- معظم لشعائر الله، لكن غلبته شهوته فينكسر لها، أما الآخر فيتسم بالوقاحة والجرأة على الله؛ لأن الشرع لا يتحدث عن شخص أو شخصين، ولا يتحدث عن نص محدد، إنما يعطي الأوصاف كاملة.
فمن الناس من إذا خلا بالمعصية خلا بها جريئاً على الله، ومنهم من يخلو بالمعصية وهو تحت قهر الشهوة وسلطان الشهوة، ولو أنه أمعن النظر وتريث، ربما غلب إيمانُه شهوته وحال بينه وبين المعصية، لكن الشهوة أعمته، والشهوة قد تعمي وتصم، فلا يسمع نصيحة ولا يرعوي، فيهجم على المعصية فيستزله الشيطان، قال تعالى: { إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ } [آل عمران:155]، فإذا حصل الاستزلال من الشيطان، فزلت قدم العبد، لكن في قرارة قلبه الاعتراف بالمعصية، والله يعلم أنه لما وقع في المعصية أنه نادم، وأنه كاره لها، حتى إن بعضهم يفعل المعصية وهو في قرارة قلبه يتمنى أنه مات قبل أن يفعلها، فهذا معظم لله عز وجل، ولكنه لم يرزق من الإيمان ما يحول بينه وبين المعصية.
لذلك فكل من ينتهك حرمة الدخول على النساء الأجنبيات أو الخلوة بهن أو غير ذلك من المعاصي- على الوصف الذي ذكرنا- فهو داخل في الوعيد الوارد في الحديث المشار إليه، وهو حديث صحيح رواه ابن ماجة وغيره وصححه الألباني، ولفظه: عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضا فيجعلها الله عز وجل هباء منثورا. قال ثوبان: يا رسول الله صفهم لنا جلهم لنا أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم؟ قال: أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها.
والله أعلم.