الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن كان الجلوس في هذا المقهى في نفس المكان الذي تقترف فيه المحرمات، فلا يجوز للمسلم حضور هذا المجلس الذي يعصى فيه الله تعالى، وذلك لقوله تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ {النساء: 140}.
قال ابن جرير الطبري ـ رحمه الله:
وفي هذه الآية، الدلالة الواضحة على النهي عن مجالسة أهل الباطل من كل نوع، من المبتدعة والفسقة، عند خوضهم في باطلهم. وبنحو ذلك كان جماعة من الأئمة الماضين يقولون، تأولا منهم هذه الآية أنه مراد بها النهي عن مشاهدة كل باطل عند خوض أهله فيه. . . . انتهى.
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من مجالسة أهل السوء كما ثبت عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحا خبيثة ). رواه البخاري ومسلم .
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم : فيه تمثيله صلى الله عليه وسلم الجليس الصالح بحامل المسك، والجليس السوء بنافخ الكير، وفيه فضيلة مجالسة الصالحين وأهل الخير والمروءة ومكارم الأخلاق والورع والعلم والأدب، والنهي عن مجالسة أهل الشر وأهل البدع ومن يغتاب الناس أو يكثر فجره وبطالته. ونحو ذلك من الأنواع المذمومة. انتهى.
أما إن كان الجلوس بمكان لا يطلع فيه الجالس على تلك المنكرات فلا بأس، والخير للمسلم أن لا يقصد هذه الأماكن إلا بنية الدعوة إلى الله وهداية أهلها، ونهيهم عن المنكر، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي: لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم.
قال القرطبي ـ رحمه الله ـ في تفسيره: فكل من جلس في مجلس معصية ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء، وينبغي أن ينكرعليهم إذا تكلموا بالمعصية وعملوا بها، فإن لم يقدر على النكير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم. انتهى.
ويمكن أن تستعينوا في ذلك بمن له خبرة في الدعوة حتى يكلمهم، وينهاهم عن المنكر، وكلموا كذلك مالكي المقاهي، ووضحوا لهم ضرورة البعد عن إعانة الناس على الإثم، فقد قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة: 2].
والله أعلم.