الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فهذه شبهة متهافتة، ولازمها تعطيل جميع الأسباب، فما من سبب من الأسباب إلا ويمكن أن يُعطَّل بهذا الفهم المغلوط ، والآية التي ذكرتها الأخت السائلة تجيب عن ذلك، فقوله تعالى: قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ {النساء: 78} يشير إلى أن الله تعالى هو الذي ربط الأسباب بمسبباتها، فليست قوة الأسباب في ذاتها، وإنما بخلق الله وقدرته وتدبيره وحكمته.
ومثال ذلك: هذه الكائنات المجهرية الدقيقة التي لا ترى بالعين، والتي تسبب كثيرا من الأمراض، هل يصح أن يقال: إن نسبة الأمراض إليها يتعارض مع كون الله تعالى هو الذي يقدر المقادير !! وكذلك الحسد والعين سبب من أسباب، وإنما يؤثر بقضاء الله وقدره لا بذاته، بل هو من جملة القدر، ولو شاء الله تعالى لما أثر الحسد، قال تعالى: وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ {البقرة: 102} وقال سبحانه: وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ {المجادلة: 10} وقال عز وجل: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ {التغابن: 11}
وقد سبق لنا التنبيه على أنه ينبغي أن يعلم أن كل ما يجري في هذا الكون إنما هو بتقدير من الله تعالى، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وأن من حكمة الله تعالى أنه جعل للعين تأثيرا بإذن منه سبحانه، فراجعي الفتوى رقم: 100529.
ثم ننبه على أمرين مهمين، الأول: أن اعتقاد وجود الحسد وتأثيره ليس خاصا بالمسلمين، بل كما قال ابن القيم في (زاد المعاد): عقلاء الأمم على اختلاف مللهم ونحلهم لا تدفع أمر العين، ولا تنكره، وإن اختلفوا في سببه وجهة تأثير العين اهـ. وراجعي تفصيل ذلك في الفتوى رقم: 109054.
والأمر الثاني: ذكر بعض الباحثين في موضوع العين والحسد أن البحوث العلمية أكدت أثر الإصابة بالعين، وأقرت في هذا الصدد بوجود قوة غير مرئية، ويمكن الوقوف على تفصيل ذلك في رسالة الدكتور حمدان بن محمد الحمدان: العين الحاسدة دراسة شرعية: نظرية وميدانية.
والله أعلم.