الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالأئمة الأربعة وأقرانهم من أهل العلم الموثوقين الذين شهدت الأمة لهم بالعدالة والديانة والرسوخ في العلم كلهم من أهل السنة والجماعة، وهم من الطائفة المنصورة التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنهم لا يزالون قائمين بأمر الله حتى تأتيهم الساعة وهم كذلك، وليس ذلك بحاجة إلى مزيد تقرير ففضائلهم ومناقبهم ومساعيهم المشكورة وآثارهم المبرورة في الإسلام أعظم شاهد لهم بذلك، وقد كانوا متفقين في أصول الدين موافقين فيها للسلف الصالح من الصحابة والتابعين.
وأما اختلافهم فإنما كان في بعض الفروع التي ليس فيها نص قاطع، فاختلفت اجتهاداتهم بناء على اختلاف النصوص، فيثبت عند الواحد منهم ما لا يثبت عند الآخر، أو يثبت عند الواحد منهم نص فيحمله على معنى غير الذي حمله عليه الآخر إلى غير ذلك من أسباب الخلاف المعروفة، غير أن المقطوع به أن أحدا منهم لا يتعمد مخالفة النص الصريح بعد ثبوته عنده ووضوح معناه له، فقد كانوا متحرين للحق باذلين في تطلبه جهدهم، فالمصيب منهم في المسألة المختلف فيها له أجران والمخطئ له أجر، والعامي له سعة في أن يقلد من شاء منهم، فيأخذ بفتواه ويتبع قوله من غير تعصب ولا غلو، فإذا قلدت واحدا من هؤلاء الأئمة والتزمت بمذهبه لم يكن عليك حرج في ذلك، ولا تخرج بذلك عن أن تكون من أهل السنة والجماعة ومن الطائفة المنصورة إلى قيام الساعة، ما دمت موافقا للسلف الصالح من الصحابة والتابعين فيما اتفقوا عليه من أصول العقائد.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في بيان طريقة أهل السنة ومنهجهم: وطريقتهم هي دين الإسلام، الذي بعث الله به محمدًا صلى الله عليه وسلم، لكن لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة، وفي حديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي " ، صار المتمسكون بالإسلام المحض الخالص عن الشوب هم أهل السنة والجماعة، وفيهم الصديقون والشهداء والصالحون، ومنهم أعلام الهدى ومصابيح الدجى، أولو المناقب المأثورة، والفضائل المذكورة، وفيهم الأبدال الأئمة الذين أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم . وهم الطائفة المنصورة، الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى تقوم الساعة " .
فنسأل الله العظيم أن يجعلنا منهم، وألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، ويهب لنا من لدنه رحمة، إنه هو الوهاب . والله أعلم .