الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد كان الأولى سقي المريض من زمزم إضافة إلى غسل بعض أعضائه به ففي حديث أبي داود: ماء زمزم لما شرب له .
وقال ابن القيم في المدارج: كان يعرض لي آلام مزعجة بحيث تكاد تقطع الحركة مني وذلك في أثناء الطواف وغيره فأبادر إلى قراءة الفاتحة وأمسح بها على محل الألم فكأنه حصاة تسقط، جربت ذلك مراراً عديدة، وكنت آخذ قدحاً من ماء زمزم فأقرأ عليه الفاتحة مراراً فأشربه فأجد به من النفع والقوة ما لم أعهد مثله في الدواء. انتهى.
وفي الآداب الشرعية لابن مفلح: قال صالح ـ يعني ابن الإمام أحمد رحمهما الله تعالى: ربما اعتللت فيأخذ أبي قدحاً فيه ماء فيقرأ ويقول لي: اشرب منه واغسل وجهك ويديك، ونقل عبد الله أنه رأى أباه يعوذ في الماء ويقرأ عليه ويشربه ويصب على نفسه منه، قال عبد الله: ورأيته قد أخذ قصعة النبي صلى الله عليه وسلم فغسلها في جب الماء ثم شرب فيها، ورأيته غير مرة يشرب ماء زمزم فيستشفى به ويمسح به يديه ووجهه. اهـ
ونرجو أن ينفعه الله بما عملت، ولكنه إن تأكدت أنك أصبته بالعين، فقد كان المتعين عليك أن تغتسلي أو تتوضئي أو تغسلي أطرافك في إناء وتغسليه بالماء الذي اغتسلت به، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان يؤمر العائن فيتوضأ ثم يغسل منه المعين.. رواه أبو داود. بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم. كما قال النووي في الأذكار وصححه الألباني.
وعن أبي أمامة سهل بن حنيف أنه قال: رأى عامر بن ربيعة سهل بن حنيف يغتسل فقال: ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة (يعني من شدة بياضه) فلبط (أي صرع وسقط على الأرض) سهل، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل: يا رسول الله هل لك في سهل بن حنيف والله ما يرفع رأسه، فقال: هل تتهمون له أحداً؟ قالوا: نتهم عامر بن ربيعة. قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عامراً، فتغيظ عليه وقال: علام يقتل أحدكم أخاه؟! ألا بركت، اغتسل له، فغسل عامر وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح، ثم صب عليه فراح سهل مع الناس ليس به بأس. رواه مالك وأحمد وابن ماجه وصححه الألباني.
وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: العين حق، ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا. رواه مسلم.
قال العراقي في طرح التثريب في شرح التقريب: وظاهره أنه على سبيل الوجوب. اهـ
وقال ابن عبد البر في التمهيد: في هذا الحديث دليل على أن العائن يجبر على الاغتسال للمعين. اهـ
وقال ابن حجر في فتح الباري: وظاهر الأمر الوجوب، وحكى المازري فيه خلافا وصحح الوجوب وقال: متى خشي الهلاك وكان اغتسال العائن مما جرت العادة بالشفاء به فإنه يتعين، وقد تقرر أنه يجبر على بذل الطعام للمضطر وهذا أولى. انتهى.
وقال علاء الدين الطرابلسي في معين الحكام: قال بعض علماء الحديث وغيرهم: فإن امتنع من الوضوء قضي عليه إذا خشي على المعيون الهلاك، وكان وضوء العائن يبرئ عادة ولم يزل الهلاك عنه إلا بهذا الوضوء، لأنه من باب إحياء النفس كبدل الطعام عند المجاعة، وقال بعضهم: يجبر على الوضوء إن امتنع منه، وإن أباه أمر أن يفعله بالأدب الوجيع حتى يفعله بنفسه، ولا يفعله غيره به عند امتناعه فإن الشفاء منوط بفعله، كما أن المرض النازل كان بسببه فلا يندفع ما نزل إلا بفعله. انتهى.
وإن كنت بعيدة في المسافة فيمكنك السعي في الاغتسال والقراءة لآيات الرقية على الماء وإرساله لهم على أنه رقية يغسل بها الولد، ونرجو أن يكفيك ذلك إن شاء الله.
والله أعلم.