الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد أخذ الله ميثاق أهل العلم ليبينن الحق للناس ولا يكتمونه، كما قال تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ {آل عمران: 187}.
وذم سبحانه الكاتمين للحق المعرضين عن القيام به، فقال: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ {البقرة: 159}.
والأصل أن أهل العلم وظيفتهم التبليغ والبيان دون إجبار الناس على الحق، أو إلزامهم به، إذ إن هذا من واجب السلطان ولذا قيل إن الفتوى إخبار بالحكم الشرعي من غير إلزام, أما القضاء فهو إخبار بالحكم الشرعي على وجه الإلزام، يقول القرافي ـ رحمه الله ـ في كتابه الفروق: أن المفتي مع الله تعالى كالمترجم مع القاضي ينقل ما وجده عن القاضي، واستفاده منه بإشارة، أو عبارة، أو فعل، أو تقرير، أو ترك، والحاكم مع الله تعالى كنائب الحاكم ينشئ الأحكام، والإلزام بين الخصوم، وليس بناقل ذلك عن مستنيبه، بل مستنيبه قال له أي شيء حكمت به على القواعد فقد جعلته حكمي، فكلاهما موافق للقاضي ومطيع له وساع في تنفيذ مواده غير أن أحدهما ينشئ، والآخر ينقل نقلا محضا من غير اجتهاد له في الإنشاء, كذلك المفتي والحاكم كلاهما مطيع لله تعالى قابل لحكمه غير أن الحاكم منشئ، والمفتي مخبر محض. انتهى.
غير أن هناك حالات يكون للمسلم فيها تغيير المنكر باليد عند القدرة على ذلك وغلبة المصلحة وهذا لعموم المسلمين يستوي فيه العالم وغيره, وحينئذ فإن قدر العالم، أو غيره على تغيير المنكر باليد وتوفرت شروط ذلك فإنه يكون واجبا عليهم، كما بيناه في الفتويين رقم: 119382ورقم: 119808
والله أعلم.