الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الكذب لمجرد إضحاك الناس محرم شرعا، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب، ويل له ويل له، أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي عن معاوية بن حيدة. قال ابن حجر: إسناده قوي وحسنه الألباني.
وهذا الحديث يدل على تحريم الكذب والوعيد عليه إذا فعل لغرض إضحاك الناس كما قال الصنعاني في (سبل السلام): الحديث دليل على تحريم الكذب لإضحاك القوم، وهذا تحريم خاص. ويحرم على السامعين سماعه إذا علموه كذبا؛ لأنه إقرار على المنكر بل يجب عليهم النكير أو القيام من الموقف، وقد عد الكذب من الكبائر. اهـ.
وسئل ابن تيمية رحمه الله عمن يتحدث بين الناس بكلام وحكايات مفتعلة كلها كذب هل يجوز ذلك ؟
فأجاب رحمه الله: أما المتحدث بأحاديث مفتعلة ليضحك الناس أو لغرض آخر فإنه عاص لله ورسوله، وقد روى بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إن الذي يحدث فيكذب ليضحك القوم ويل له ويل له ثم ويل له ) وقد قال ابن مسعود: إن الكذب لا يصلح في جد ولا هزل ولا يعد أحدكم صبيه شيئا ثم لا ينجزه، وأما إن كان في ذلك ما فيه عدوان على مسلم وضرر في الدين فهو أشد تحريما من ذلك. وبكل حال ففاعل ذلك مستحق للعقوبة الشرعية التي تردعه عن ذلك. والله أعلم. اهـ
وأما تمثيل المعلومة لقصد إفهام الناس واستيعابهم المعلومات فلا يمنع لأن المقصود هو التعليم وليس مجرد الإضحاك بالكذب، فإن اختلاق القصص الخيالية لأغراض حسنة كتعليم بعض الفضائل أو ضرب الأمثال للتعليم، والإرشاد والتوجيه جائز على الراجح، ولا يضره إن كان بشكل طريف مضحك، ولا يضر سماعها ما دمت تعلم أنها مختلقة، فقد أباح بعض أهل العلم قراءة وسماع القصص التي لا حقيقة لها ما دام الشخص يعلم أنها قصص غير واقعية.
جاء في تحفة المحتاج للهيتمي ما يلي: .... ويؤيده قول بعض أئمتنا في الحديث الصحيح: حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج. وفي رواية: فإنه كانت فيهم أعاجيب. هذا دال على حل سماع تلك الأعاجيب للفرجة لا للحجة. انتهى. ومنه يؤخذ حل سماع الأعاجيب والغرائب من كل ما لا يتيقن كذبه بقصد الفرجة بل وما يتيقن كذبه، لكن قصد به ضرب الأمثال والمواعظ وتعليم نحو الشجاعة على ألسنة آدميين أو حيوانات... انتهى محل الحاجة منه.
ويدل لهذا أنه لا يزال الأدباء يؤلفون مثل ذلك كالحريري في مقاماته، فانه كان يفترض شخصية وهمية يعالج بها قضية معينة، ولقيت قبولا بين الكافة ـ علماء وغيرهم .
أما إذا كانت القصة تحتوي على منكر أو تمجيد باطل فلا خلاف في حرمتها، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 95430، 46391، 109936، 13278, 108286.
والله أعلم.